هل ستنتصر الرصاصة على القلم؟
هل ستنتصر الرصاصة على القلم؟
أمير أوغلو / الدانمارك
لم تعد خافية الحرب التي تشنها الأنظمة القمعية ضد الفكر والقلم في بلادنا خاصة وعلى مستوى العالم كله عامة، مستقوية تارة بقوى الأمن، وتارة بالخارج الذي تدعي محاربته، وتارة أخرى بأعداء من الداخل باعوا ضمائرهم لهذه الأنظمة، ومرات حتى بمن يدعى زملاء مهنة.
آخر ضحايا هذه الحرب هو الصحفي والمؤرخ المناضل الدكتور سمير القصير الذي وهب حياته لقضية الحرية في البلاد العربية، خاصة منها الدول الثلاث التي ينتمي إليها: لبنان انتماء المواطنة، وفلسطين إنتماء الأصل من جهة الأب، وسوريا انتماء الأصل من جهة الأم. هذه الدول الثلاث التي لها عليه حق كبير حاول تأديته ببيانه وبنانه ولما عجز هذان أتم عطاءه بروحه ودمه.
عجيب أن يحارب إنسان عقائدي كسمير على جبهات ثلاث تبدو للوهلة الأولى متناقضة متعادية، ولا يمكن لشخص ما أن يعاديها كلها معا دون أن يقع في تناقض فكري. لكن أمثال سمير الذين لا يكتفون بالنظرة السطحية للأمور والذين علمتهم دراستهم للتاريخ أن السياسة أعمق من أن تفسر بالأقوال والنظريات، هؤلاء المفكرون والمنظرون والعالمون ببواطن الأمور لا يقرأون الخلاف الخارجي بل التوافق الداخلي المبطن. هذا التوافق الواضح لذوي البصيرة الحادة والخبرة السياسة العميقة هو الذي يزيل اللبس عن كتابات سمير القصير، وهو الذي يشرح كيف يمكن لمفكر أن يقف ضد إسرائيل الغاصبة في فلسطين، وفي نفس الوقت ضد النظام اللبناني القمعي في بعبدا والذي يتبجح بوقوفه ضد إسرائيل وبأنه هو الذي حرر جنوب لبنان، وكذلك ضد النظام الباطني السوري الذي يرفع في العلن رايات المقاومة والقومية والحرية وهو عدو المقاومة الأول وعدو القومية الأول وعدو الحرية الأول.
قد يكون أعداء الكلمة فرحين الآن بانتصارهم المؤقت الزائف وقد تبدو خسارتنا بسمير وأمثال سمير من الإعلاميين في العالم كله كبيرة جدا ولكنها ليست النهاية ولا يمكن أن تكون النهاية، ستتابع زوجة سمير المبدعة جيزيل مع بناتها الطريق، وسيتابع تلاميذ سمير الطريق، وسيتابع كل مثقف يؤمن بالحرية والديمقراطية الطريق، وسيتابع كل شاب في هذه الأمة يرفض أن يعيش كالعبيد الطريق، وستتابع كل فتاة خرجت في شوارع بيروت تنادي بالحرية، أو مُزقت ثيابها في شوارع القاهرة لأنها قالت كفاية، أو ضربت في شوارع دمشق لأنها قالت لا، الطريق إلى أن تحصل هذه الشعوب على حرياتها وتسترد سيادتها على أوطانها.
إن التاريخ كله لا يفتأ يروي قصص الصراع بين الرصاصة والقلم، وكثيرا ما بدى للعيان أن السيف أو الرصاصة انتصرا، وأن القلم واللوح قد هزما، ولكن سرعان ما تنعكس الصورة لآنها تعارض سنن الله في الأرض وفي الكون، فترى القاتل نادما حزينا مهزوما والقتيل منتصرا مخلدا تحكي قصته الأجيال، وترى التاريخ يضع القاتل في صف قابيل ويضع القتيل في صف هابيل، صفان كانا ومازالا منذ بدء الخليقة وإلى يومنا هذا يضم الأول منهما قتلة الكلمة وسفلة البشر، ويضم الثاني شهداء الكلمة وأحرار البشر.
هما صفان لا بد لك أن تكون في أحدهما: إما أن تكون مع القاتل بيدك أو بكلمتك أو بصمتك أو بتواطئك، وإما أن تكون مع القتيل بصوتك أو قلمك أو جسدك أو شعورك. فاختر لنفسك. لا حل وسط، فالمتعاون شريك القاتل، والساكت شيطان، والصادح بالحق مع الحق، والمبرر للقتل مع القاتل.
لقد أقسم الله تعالى في كتابه العزيز، بالقلم ولم يقسم بالسيف، وأقسم باللوح ولم يقسم بالرصاصة، لذلك لا بد للقلم أن ينتصر، وكما في البدء كانت الكلمة، فستنتصر في النهاية الكلمة. فيا أيها القتلة انتظروا، إنا منتظرون.