وداعاً أستاذنا الكبير شوقي ضيف
وداعاً أستاذنا الكبير
شوقي ضيف
عبد الله الطنطاوي
يوم الجمعة الفائت (11 / 3 / 2005) ودّعت القاهرة أستاذ الأجيال ، العالم الموسوعي ، المجمعي ، الناقد ، مؤرخ الأدب العربي ، الأستاذ العليم شوقي ضيف ، رحمه الله رحمة واسعة ، عن خمسة وتسعين عاماً أمضاها قراءة ، وكتابة ، وتأليفاً ، وقدّم للأمة العربية زاداً أدبياً ، ونقدياً ، وثقافياً ، وحضارياً ،سوف يبقى منارة للأجيال القادمة ، كما كان لجيلنا وللأجيال التي جاءت بعدنا .
لقد تتلمذنا على كتب هذا الأستاذ الكبير ، وعلى فكره النير ، وأفدنا من أسلوبه الجزل الذي يفيض عذوبة ، وفصاحة ، وبياناً ، وعلّمنا معنى الدأب في التحصيل ، والتأليف ، في شتى الظروف والأحوال ، فهو ما كان يعرف معنى للتعب ، ولم يقف عند سنّ معينة عن القراءة والكتابة .. لم يُحِلْ نفسه على (المعاش) فكان مثالاً للعالم الأديب في حياتنا ، كما كان الصحابيّ الجليل أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه ، مثالاً في الجهاد ، فقد مضى مقاتلاً في سبيل الله ، وقد ذرّف على الثمانين ، ولم يسأم تكاليف الحياة الجهادية ، حتى توفي ودُفن تحت أسوار القسطنطينية ..
وهكذا ينبغي أن يكون الرجال ، في ظروف البناء ، وفي سائر الأحوال ، قوة ، ومضاء..
ألّف الدكتور شوقي ضيف أكثر من سبعين كتاباً ، في النقد ، وفي تاريخ الأدب العربي ، وفي البلاغة ، والنحو ، والتفسير ، واللغة ، والحضارة الإسلامية ، وفي النقد التطبيقي ، وفي غيرها من العلوم العربية والإسلامية ، فقد كان ذا ثقافة موسوعية ، وكتبه مراجع للدارسين ، كانت ، وسوف تبقى ..
انتخبه زملاؤه المجمعيون رئيساً لمجمع اللغة العربية في القاهرة ، منذ عام 1966 ولثلاث دورات متتاليات ، ورئيساً لاتحاد المجامع اللغوية العربية ، ومات وهو على رأس هاتين المؤسستين العلميتين الكبيرتين .
ومات هذا العالم الكبير ، والإعلام العربي في غفلة عنه ، ولو مات أي ( فصعون ) من (فصاعين) المغنين والمغنيات ، أو الراقصين والراقصات ، أو لاعبي كرة القدم ، لقام له الإعلام العربي ولم يقعد ، أما رحيل أديب كبير كأحمد شوقي عبد السلام ضيف (13 / 1 / 1910) فلن يأبه له الآبهون ، ولكن .. حسبُه عشرات الآلاف من تلاميذه ، وحسبه عشرات الآلاف من الصفحات التي كتبها ، ولن يضيره تجاهل الإعلاميين إياه ، أو جهلهم به ، وأدبه ، وقيمته الحضارية .. وحسبه وحسبنا الله ونعم الوكيل .
وإلى اللقاء في جنة الخلد بفضل الله وعفوه وكرمه والسلام عليك في الخالدين .