مروة الشربيني
ليست الأولى.. ولن تكون الأخيرة
ماذا لو عكسنا الصورة
زهير سالم*
مثلنا العربي يقول: رمتني بدائها وانسلت، أليس هذا هو حالنا مع أبناء الحضارة الغربية. أليس من عجيب المفارقات أن يحاضر علينا القوم في ضرورة (قبول الآخر) والتعايش معه، والاعتراف بحقوقه..؟!
مروة الشربيني ليست الأولى ولن تكون الأخيرة. ربما نستطيع أن نتلمس البداية من (الأندلس) ومع محاكم التفتيش التي نقبت عن ضمائر الناس مسلمين ويهود ومسيحيين أيضاً. محنة للخاصة والعامة تنتهي دائماً بمأساة قريبة من مأساة مروة مع أليكس..
يقارن كتاب الاعتبار للأمير أسامة بن منقذ، وهو كتاب في تاريخ الحضارة المقارن، كان أسامة بن منقذ أميراً وفارساً وكاتباً. وتأريخه ليس تاريخاً سردياً، وإنما هو تاريخ حضاري بامتياز، يقارن من صميم الواقع مفردات حضارتين وتجلياتهما في شخصيات بشرية جمعتها ساحة الحرب والسلم. من المهم أن يقرأه جميع العاملين من شبابنا وبناتنا ليعرفوا أين كانوا وأين كنا وأين نحن وأين مازالوا..
وأعود إلى حقيقة غائبة في حديث مروة وأليكس، حقيقة يمكن أن تجليها عملية إحصاء بسيطة خلال عقد من الضرام المستعر الذي قاده زعيم أكبر دولة في العالم مع أتباعه، حربا صليبية ضد دين وحضارة وإنسان. عملية إحصاء ترصد حجم التصريحات الرسمية، وردود الفعل الفردية المجتمعية التي فتحت النار المادية والكلامية على العرب والمسلمين والشرق أوسطيين والملونين والآسيويين منذ أحداث 11/9 حتى اليوم..
ذاك المواطن الأمريكي الذي اعتدى على جاره، والذي رشق المسجد، والذي قاطع المحل التجاري، والذي ضرب المرأة المحجبة في الشارع، وركاب الطائرة الذين رفضوا أن يركب شخص مغاير معهم، وردود الفعل الصامتة على طريقة (أليكس) في الولايات المتحدة وفي الغرب الأوربي على حد سواء..
وما قابل كل ذلك في عالمنا العربي والإسلامي من عمليات ضد الآخر وشعوبنا تتابع كل يوم عمليات إرهابية منظمة في حجم عملية مانهاتن وأحياناً أشد هولاً وأقسى ولا نريد أن نزيد حتى لا يفهم ما يمكن أن يقال على أنه باب من أبواب التحريض..
تعالوا نرصد ردود الفعل النزقة أو الغاضبة أو الرافضة على طريقة أليكس الألماني ضد مروة الشربيني الأنموذج على ضفتي الحضارة الإنسانية، ونرصد ردود الفعل الفردية هذه من الطرفين حجمها وعمقها وظروفها أي كمها وكيفها...
إن أي متابعة لحجم التصريحات الرسمية ولحجم ردود الفعل الفردية التي وقعت وما تزال تقع في دول ترفع شعارات قبول الآخر وتعلن نفسها صاحبة السبق إلى حديث المساواة وحقوق الإنسان؛ يوضح لنا أن شعوب الحضارة الغربية ما تزال بحاجة إلى المزيد من التثقيف والتوعية بضرورة تقبل الآخر والتعايش معه، وبحاجة إلى أن تعلّم ،كما هو راسخ عند شعوبنا منذ ألف وخمس مائة عام، أن العالم يتسع لأكثر من عرق وأكثر من عقيدة وأكثر من دين، وأن الناس خلقوا مختلفين ليتعارفوا فيتآلفوا..
سؤال آخر يفرض نفسه في سياق العزاء بمروة الشربيني، ترى ماذا سيكون عليه الحال فيما لو كانت مروة الشربيني امرأة غربية اسمها هيلاري أو ماري أو مرغريت ولو كان اسم القاتل بدل أليكس عمر أو عليا أو حسينا، ماذا لو كان القاتل تحت قوس المحكمة الألمانية رجلاً مسلماً اقترف جريمته في محكمة من محاكم القاهرة أو دمشق أو بغداد..
كيف كانت ماكنة الإعلام الغربية ستتعامل مع الواقع؟! كيف كان الخطباء المفوهون بلغات الأرض أجمع بما فيها لغة الضاد سيلقون علينا الدروس والعظات البالغة في مدح التسامح والانفتاح وفي هجاء التعصب والتطرف والظلم والظلام وما شئت من شيء بعد..؟!
عزاؤنا ليس في مروة الشربيني وحدها وإنما عزاؤنا في حاكم وخطيب وشاعر من بني قومنا هانوا فما بانوا وما أبانوا..
هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً ؟!!
(*) مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية