شعراء الواحدة
ثمة ظاهرة أدبية لم تعط حقَّها من الدرس، على قدمها وأهميتها، ألا وهي شهرة قصيدة بعينها لشاعر بعينه، أو أبيات دون غيرها، حتى قيل: لامية الشنفرى، وسينية البحتري، ويائية مالك بن الريب، وحتى أصدر الشاعر العراقي نعمان ماهر الكنعاني كتاباً موسوماً بعنوان: (شعراء الواحدة)، وهو يذكرنا أيضاً بحماسة أبي تمام والأصمعيات والمفضّليات والمعلّقات.
أول سمة تميز هذه النصوص: الجودة الفنية، والسمة الثانية – في تقديري – ملامسة هذا النص وتراً حساساً من أوتار النفس الإنسانية. ولو توفرت جهود النقاد، النقاد المتميزين لدراسة هذه الظاهرة، لأعطوا الشعر هدية يستحقها هذا الكلام الحلو الأثير.
وأضيف: إن مثل هذه الدراسة تحسم أموراً خلافية حول جوهر الشعر، وللشعر – في تقديري – جوهر، كما لكل شيء عظيم.
أنا لست مع الإسراف في تحكيم مناهج الإحصاء في الشؤون الإنسانية، وهي بالمناسبة تقليد أمريكي، ولكن نوعاً من الإحصاء العفوي: تواضع الناس أو إجماعهم العفوي على نص من النصوص.. مدخل إحصائي مقبول، لمعرفة ما استهوى القلوب والعقول.
ومنذ الآن أنبه إلى أن سبب الشهرة، أو مصادفة القبول، بعد الجودة الفنية.. تختلف من قصيدة إلى قصيدة، ومن عصر إلى عصر، ومهمة النقد الاستقصاء والفحص والفرز واستخلاص النتائج. فهناك من وصف يائية عبد يغوث ومالك بين الريب، بأنهما من التجارب الإنسانية الكبيرة، وبالدقة يعني رثاء الشاعر لنفسه، وهو على وشك الموت، وهي بالفعل تجربة إنسانية فريدة، تستحق التسجيل والتداول بين البشر، على حين نرى أن شهرة قصيدة شاعرنا عمر أبي ريشة في عصرنا:
أمتي هل لك بين الأمم منبرٌ للسيف أو للقلمِ
ترجع فيما ترجع للموقف الجريء في فضح وضع سياسي صارخ الانحراف:
ربّ وامـعتصماه انطلقتْ مـلء أفواه الصبايا اليتّمِ
لامسـت أسماعهـم لكنها لم تلامس نخوة المعتصمِ
فهل قدمنا للإبداع والمبدعين خدمة، وللنقاد كلمة!!
محمد الحسناوي