الموصل الجريحة .. والجريمة مثلثة الرؤوس
في قراءة استراتيجية فإن كل ما جرى ويجري في العراق هو جزء من تداعيات العدوان الأمريكي يوم قرر الرئيس بوش تدمير الدولة العراقية ، لمصلحة نظام الملالي ومشروعه الطائفي في المنطقة .
وعلى التوازي فإن كل ما جرى ويجري في سورية هو مخرج من مخرجات التدخل الثنائي (الروسي _ الأمريكي) في وطننا . التدخل الروسي الاحتلالي المباشر ، ثم التدخل الأمريكي السلبي ابتداء ، بإطلاق يد المستبد الفاسد بشار الأسد باستعمال كافة صنوف الأسلحة ضد ثورة سلمية لشعب أعزل خرج يطالب بالعدل والحرية ، ثم بكف أيدي الدول الداعمة للشعب السوري عن تمكينه من الدفاع الجاد عن نفسه ، وعن ثورته ؛ ثم بالسماح للميليشيات الطائفية بالدخول إلى سورية وقتل ناسها وتهجير سكانها ، ثم رابعا بالتدخل المباشر بالتحالف مع مجاميع من الإرهابيين المرتزقة للإمعان في قتل السوريين، وتدمير وجودهم .
وحين يحتفل القتلة والمجرمون بكل أحلافهم ، هذه الأيام بما يسمونه تحرير الموصل ، ونسميه تدمير الموصل وإبادة إنسانها فإنه من الضروري أن نضع هذه الجريمة في سياقها التاريخ ، لكي لا تختلط الأمور ، وتميع الحقائق .
لقد كان ما جرى على الموصل خلال ثلاث سنوات من تاريخها جريمة بل محرقة حقيقية مخططة مبرمجة مبيتة اشتركت فيها كل قوى الشر في العالم على السواء.
ولقد كانت الخطوة الأولى على طريق الإعداد للجريمة (المحرقة) هي في تسليم الموصل في بضع ساعات لحفنة من القتلة المجرمين . قتلة ومجرمون قام أعداء هذه الأمة بتجميعهم وتجنيدهم وتوظيفهم وإعدادهم ثم التلاعب بهم ؛ ليكونوا الذريعة التي تدمر تحت عنوان الحرب عليها هذه الأمة ، وتشرعن الحرب على وجودها وحضارتها وثقافتها وعقيدتها وشريعتها ومنهج عيشها.
في بضع ساعات تم تسليم الموصل الشهيدة ، لم يدافع عنها الأشاوس أدعياء البطولة اليوم بطلقة ، وتم مع ذلك التسليم تسليم ترسانة ضخمة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة ، وخزائن من المال تكفي لتمويل المعركة – المحرقة التي كان يخطط لها كل المجرمين الآثمين معا .
وحين تم تسليم الموصل إلى هؤلاء (المجندين الوظيفين) ، الذين تم إعدادهم في مختبرات أجهزة الشر العالمية ، كان بعض المقصود أن يعاني أهالي الموصل ، كما أهالي الرقة ودير الزور، من هذا الهجين الاستخباري ، الذي حُمل اسم الإسلام ودولته ودعاته ومشروعه إثما وزورا وبهتانا .. وكانت هذه الجريمة المقصودة لذاتها الفصل المتمم لمحرقة الإبادة والتدمير .
ثم كان الحشد الطائفي الشيعي الرأس الثاني للجريمة المحرقة..
ومضت معاناة أهل الموصل مع محتليهم الوظيفيين حتى بلغت واستوفت ليستكمل الطائفيون والقتلة والمجرمون على الطرف الآخر مشروعهم التدميري الرهيب ، فتم تشكيل الحشد الطائفي الشيعي ، بدعوة من المرجعية الشيعية الطائفية ، ليحتشد تحت عناوين الحقد والثأر الطائفي كل أشرار العراق وداعميهم من الإيرانيين ، وليصبح هذا الحشد في لحظات حالكة من تاريخ المدنية الإنسانية حليفا مباشرا لدول تدعي التمسك المدنية وتنادي بحقوق الإنسان . ثم ليلبس القتلة والمجرمون والطائفيون والأجراء والعملاء ثوب الوطني والمنقذ والمخلص ..
ألا لعنة الله على الظالمين ..
وكان الرأس الثالث للجريمة البشعة ..
دور ما يسمى التحالف الدولي ، وشيطانه الأكبر ، الذي خطط واستخدم ونفذ . والذي تحالف وهو يزعم أنه يريد القضاء على دولة الإرهاب مع كل رموز الإرهاب وأقانيمه في عالمنا : بشار الأسد والولي الفقيه والمالكي والعبادي وكل رؤوس الشياطين ..
اليوم وقد زمّر الحاوي لثعابينه فانسحبت من الموصل غير مأسوف عليها، يلتمس المسلمون جرحهم الغائر هناك ، بين الأعراض التي انتهكت ، والمهج التي أزهقت ، والأوابد التي دمرت ، ويتذكرون أقسى ما مرّ عليهم من تاريخ المغول والصليبيين والغزاة ..
لتبقى الجريمة (المحرقة) أكبر من الاستنكار ، وأكبر من الإدانة ، وأكبر من كل بيان استنكار تصدره منظمات حقوق الإنسان .. وليبقى سفر المحرقة مفتوحا ، وجرحنا الثاعب في الموصل الحدباء كما في حلب الشهباء كما في حمص ابن الوليد كما في حماة أبي الفداء كما في فلوجة المآذن يصيح على المدى وإن لنا مع التاريخ ومع أعداء الإنسانية والإنسان موعدا ..
صبرا أهلنا في موصل فإن لكم مع بني حمدان وآل الزنكي موعدا..