حول مسرحية تأهيل بشار، من يؤهل من ؟ كيف ؟ ولماذا؟
تشيركلمة (تأهيل) هنا الى عملية مزدوجة من الفك والتركيب للشخص المعني ، لجعله من جهة راغباً في العودة الى (أهله) ، ومن جهة اخرى مقبولاً من هؤلاء (الأهل ) بعد أن هجرهم وضل عن سبيلهم ( إذا لم أقل خانهم ) . ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا وبعد مرور ثمان من السنين العجاف ، ارتكب فيها هذا الذي يريدون تأهيله اليوم عشرات المجازر الكيماوية ، ومئات المجازر غيرالكيماوية ، وقتل مئات الألوف من الأطفال والنساء والشيوخ ، وغيب مثلهم في غياهب السجون ، وهجر ( بتشديد الجيم ) الملايين أقول : السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو : من سيؤهل من ؟ وكيف ؟ ولماذا؟.
إن ماينبغي قول لهؤلاء ( المؤهلين !! بكسر الهاء ) المحترمين ، هو أن كل ما قامت به عائلة الأ سد (الأب والإبن ) منذ عام ١٩٦٧ وحتى يومنا هذ ا ، كان بعلمكم ، هذا إذا لم يكن بموافقتكم ، وذلك في إطار تعاونكم ( غير المعلن ) مع الإبن تحديداً ، في وقف موجة الربيع العربي التي كانت تهدد عروشكم وكراسيكم بل وجيوبكم التي التي كُنتُم تملؤونها بعرق العمال والفلاحين وعرق الفقراء والضعفاء من أبنا ء الشعوب التي كُنتُم تحكمونها بالباطل .
لقد كان تجميد عضوية نظامالأسد في جامعة الدول العربية أمراً مفروضا علىكم ايهاالسادة المؤهلين ( بكسر الهاء ) بعد قيام الثورة السورية ضده آذار ٢٠١١ ، وبعد أن باتت رائحة الجرائم آلتي ارتكبها بحق المدنيين والتي تم وضعها من قبل الثوار ، ومن قبل كل شرفاء العالم ، في خانة الخيانة. ( اللي بيقتل شعبو خاين ) تزكم الأنوف ، ولم يكن أمامكم سوى القبول بهذا التجميد، أو الصمت الى أن تحين فرصة أخرى ويبدو أن سوخوي بوتن ومقام السيدة زينب قد أتا حا لكم هذه الفرصة ، وها أنتم تغتنموها لاصلاح ماأفسده الربيع العربي عليكم .
إن مهمتكم أيها المؤهلون ( بكسر الهاء ) المحترمون ( وهي مهمة بالوكالة ) في إعادة تأهيل ( ابو البراميل ) كرئيس شرعي لسورية إنماتدخل - برأينا - في إطار منحه شرعية (شكلية ) تؤهله فقط لإعطاء وجود القوات الأجنبية في سوية ، والتي استدعاها لنصرته وإنقاذه ، شرعية (شكلية بدورها )تسمح لشرعيتهم (المزعومة) بالتعاون مع شرعيته ( المزعومة أيضاً ) لتدمير مابقي من سوريا ، وقتل وتهجير من بقي من سكانها ولا سيما العرب السنة منهم (تحت مسمى مكافحة الإرهاب طبعاً !!) ، ناهيك عن مهمته الرئيسية التي ورثها عن أبيه الا وهي حماية حدود ( اسرائيل ) والتطبيع معها ، وبالتالي التخلي عن القضية الفلسطينية والشعب الفلسطين، وهو الدور المشبوه الذي لعبه الأب في لبنان عندما سمح له أمريكياً وإسرائيلياً بدخوله، وسحق المقاومة الشعبية ضد ( اسرائيل ) بجناحيها اللبناني والفلسطيني فيه عام ١٩٧٦.
إن هذا يعني أننا أمام مسرحيةدرامية سوداء يتبادل فيها كل من المنتج والمخرج والممثل وكاتب السيناريو الأدوار ،إخفاء للحقيقة وتضليلاً للمشاهدين . هذا مع العلم أن المسرح الذي تدور فيه أحداث هذه المسرحية ( مسرحية تأ هيل بشار ) هو ليس سورية الصغرى ( الجمهورية العربية السورية ) ، وإنما هو سوريا الكبرى ، التي تشتمل فيما تشمل الكيان الصهيوني (اسرائيل ) بوصفها لاعباً رئيسياً في كل مستويات وأبعاد وفصول هذه المسرحية . ولا سيما في فصلها الذي نحن بصدده الآن ، ألا وهو ، محاولة إعادة تأهيل هذا الحليف الاستراتيجي لها ، وتكريسه حاكماً لسورية هو وَذُرِّيَّتِهِ الطائفية ، إلى أجل غير مسمى . إنه هذا التعاطف والتواد ببين ( اسرائل) ونظام عائلة الأسد يبدو من حيث الشكل ، تعاطاً إنسانياً بين أقليتين مضطهدين ( بفتح الهاء ) ضد الأكثرية في سوريا الكبرى ، أما من حيث المضمون ، فلا أراني بحاجة إلى إيضاحه .
ولابد من التذكير هنا ، إلى أنه عندما غزت جحافل جورج بوش الإبن العراق عام ٢٠٠٣ ، كان واضحا لكل ذي بصر وبصيرة ، أن الهدف الحقيقي من هذا الغزو الإنجلو - أمريكي ، كان المجيء بمجموعة عراقية مشابهة لتلك التي وصلت الى الحكم في دمشق عام ١٩٧٠ ، وأيضاً لتلك التي وصلت الى الحكم في طهران عام ١٩٧٩ . وبالتالي خلق قاعدة جغرافية -تاريخية لصراع اجتماعي نوعي جديد في الوطن العربي ، يحل محل الصراع العربي - الإسرائيلي المستمر منذ ١٩٤٨ ، ألا وهو الصراع الطائفي (السني - الشيعي )، في لبوسه القومي (العربي - الفارسي)، الذي ( الصراع النوعي الجديد ) من المفروض أن يقلب الأمور في الوطن العربي رأساً على عقب لعدة عقود من الزمن ، ولا سيما بعد أن تم خلق ( داعش ) السنية ، ووضعها في مقابل ولاية ا.لفقيه الشيعية الأمر الذي سمح ل ( اسرائيل ) أن تضع رجليها في ماء بارد وتتفر ج على هذه المسرحيات الهزلية العربية والإسلامية .
إن االدور الذي يقو م به بعض الحكام العرب فيما بات يسمى (إعادة تأهيل بشار الأسد ) إنما هو دور ب ( الوكالة ) ، يبدأ شكلاً بتأهيل بشار ، وينتهي عملياً بالاعتراف والتطبيع مع الكيان الصهيوني على حساب كافة القضايا الوطنية والقومية العربية ، وعلى رأسها القضية الفلسطينية ، الأمر الذي سيسمح ل ( اسرائيل ) أن تتتسلى بالتفرج على ا لجميع ( السنة والشيعة ) وهم يتلذذون بأكل لحوم بعضهم بعضا ، بل وتقوم بتشجيعهم على ممارسة هذا المنكر دينياً ودنيوياً ، وذلك تمهيداً للدخول في صفقة ترامب ( صفقة القرن ) لتصفية القضية الفلسطينية . إن محاولة أمريكا وروسيا وإيران ، ومعهم معظم القادة العرب ، الآباء منهم والأبناء ، إعادة تأهيل بشار الأسد ونظامه الطا ئفي، العسكري ، الفاشي ، وفرضه على الشعب السوري ، بالقوة ، إنما يدخل - برأينا - في إطار محاولة تنفيذ هذه (الصفقة ) والتي يقتضي تنفيذها المحافظة على جذوة الصراع الطائفي السني - الشيعي حية وإخراجها من ( تحت الطاولة ) الى ( فوق الطاولة ) ، الى أن يرفع كل الناطقين بلغة الضاد الراية البيضاء .
إن مانخشاه وننبّه إليه هنا ، هو أن الوصول الى مثل هذه النتيجة المؤسفة والمؤلمة ، قد يستلزم. - إذا ماحصل - إضافة الى إعادةتأهيل أبي حافظ (بشار الأسد ) ، تصفية كافة خصومه السياسيين الذين شاركوا في ثورة آذار ٢٠١١ ، إضافة الى تصفية كل من قال ، أو لايزال يقول ( لا ) لصفقة ترامب وبوتين ، سواء أكان سنياً أو شيعياً ، وسواء أكان في فلسطين نفسها ، أو في أي مكان من الوطن العربي ، تماماً كما حصل للمرحوم صدام حسين عام ٢٠٠٣ في بغداد . هذا والله أعلم .