بوتين حين يرفض الاعتراف بشرعية الثورة السورية ...
لا إنساني .. ولا عقلاني ؛ بل ينشر جذع شرعيته الثورية
يظن الرئيس فلاديمير بوتين ومحازبوه من الناطقين باسمه من الساسة والمعلقين الروس ، أنهم يملكون جوابا مسكتا ، يردون به على كل من يعترض على تدخلهم في سورية ، أو يدين سياساتهم الإرهابية فيها ؛ كلمة واحدة تسمعها من الرئيس ومن الوزير ومن المحلل السياسي : نحن جئنا بناء على طلب الحكومة الشرعية ، التي تعترف بها الأمم المتحدة ، والقانون الدولي . ونحن نحارب الإرهاب والإرهابيين.
وبغض النظر عما إذا كان القانون الدولي يعطي شرعية لقتل الأطفال والنساء وتشريد الأبرياء ، واستهداف المستشفيات والمدارس والأسواق والأفران ؛ فإن المنطق الروسي حتى في سياقه الشكلي منطق ملتو متداعٍ لا يصمد أمام مبدأ إنساني ، ولا منهج عقلي، ولا تاريخ ثوري دبلوماسي ، قامت الدولة الروسية المعاصرة أصلا على أساسه..
فلا يستطيع بوتين أن يجد في زعمه محاربة الإرهاب غطاء أخلاقيا لما يفعل في سورية. إلا إذا كان بوسع أحد من قادة العالم اليوم أن يقنعنا أن الحل الأقرب لمواجهة فيروس كورونا هو إحراق المدينة التي يظهر فيها مصاب . وهذا هو التسويغ الأخلاقي العملي الوحيد الذي يقدمه بوتين لسياساته في سورية ..مهما تلونت به وبفريقه تقلبات اللسان .
ولا يستطيع بوتين على مستوى الخطاب العقلي ، وهو الذي يزعم أنه موافق على القرار الأممي 2254 ، وعلى ما يسميه الحل السياسي ؛ أن يقنع أحدا أن الحل السياسي الذي يقترحه بين طرفين هو إبادة أحدهما ، فبإبادة أحدهما كما يظن بوتين تنتهي المشكلة !! ينفذ هذا عمليا على أرض متلفعا بغطرسة القوة ، وبلامبالاة الآخرين ، ثم يظن نفسه عاقلا يتصرف أمام عقلاء .
وحين تتحدث إحصاءات الأمم المتحدة عن ثلثي الشعب السوري بين مقتول ومعتقل ومهجر ؛ ربما يجب على بوتين ، حين يلغو بذكر الحل السياسي ، أن يعرض نفسه على طبيب للأمراض العقلية ، عله يرشده إلى حالة الفصام أو الانفصال عن الواقع الذي يعيش ..
وثالثا ...
فإن بوتين الذي ما يزال يتمسك بشرعية بشار الأسد ، لأنه يستمد منه شرعيته التي ابتلع من خلالها في سورية الدولة ومؤسساتها ، وحين يرفض أن يعترف بأي سهم من شرعية الثورة والثوار ؛ ينسى أو يتناسى أن النظام الذي يتربع هو على قمته في روسية هو نظام قام أصلا على شرعية ثورة شعبية ، الثورة الشعبية في روسية ضد آل ريمانوف سبقت ثورة الشعب السوري ضد حافظ وبشار الأسد فقط بمائة عام . انتصرت الثورة الشعبية في روسية عام 1917 بين شهري شباط وتشرين أول ، وقام على أساسها النظام البلشفي الثوري الذي تجسد بعد الحرب الكونية الثانية فيما سمي بالاتحاد السوفييتي ، ثم بعد البيريسترويكا والغلاسنوست بالاتحاد الروسي اليوم الذي يتربع على قمته بوتين اليوم .
وحسب المنطق البوتيني في سورية اليوم فإن آل رومانوف هم الممثلون الشرعيون للدولة الروسية ، التي ثار فيها مجموعة من الفوضيين ، وببساطة يمكن أن نقول إرهابيين ، وكان للينين وتروتسكي يد في تأييدها . وحسب المنطق الذي يتبناه بوتين ومحازبوه في سورية اليوم يبدو أن النظام القائم في روسية فاقد للشرعية ، وأن على المؤسسات الدولية أن تتمسك بالبقية من آل ريمانوف كما يتمسك بوتين ببشار الأسد ؛ بل وكما تمسكت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية السورية بهما معا أيضا ..الأرثوذكسية الروسية منحت القيصر نيقولا مكانة قديس كما تفعل الأرثوذكسية السورية اليوم !!
الجواب الذي يظنه بوتين ورهطه مسكتا لكل من يسألهم عن جريمتهم في سورية ، هو في حد ذاته اعتراف الإدانة ، الذي يدمغ كل الذين يرددونه ويظنونه ملاذا وغطاء للجريمة ..
ليعلم بوتين أن فاقد الشرعية لا يمنحها .
وليعلم بوتين أنه حين يستند في شرعنة جرائمه في سورية على ما يمنحه إياه بشار الأسد ، فلن يكون أفضل حالا ممن كان في حاشية نيقولا الأخير وهو يخوض حرب بقائه ضد الشعب الروسي ..
وليعلم بوتين أنه حين يرفض الاعتراف بشرعية ثورة شعبية اشترك في دفع ضريبتها ثلثا سكان سورية حتى الآن ..فإنه يسحب الشرعية عن إنسانيته وعن عقله وعن التاريخ الثوري للنظام الذي يتربع على قمته ..