الزلزال الفلسطيني يقترب
تتسارع الأحداث في فلسطين عددا وحدة ، يقاوم الفلسطينيون دفاعا عن أرواحهم وأرضهم ، فترد إسرائيل بمزيد من قتلهم واعتقالهم ، ومزيد من الاستيلاء على أرضهم في الضفة والقدس ، ومزيد من هدم بيوتهم . وتتوسع في أوامر الترخيص لجنودها بقتلهم لمحض رمي حجر ، وما كانت تلك الأوامر السابقة إلا فضفاضة الحرية في قتلهم ، ودائما كان التسويغ لقتل الفلسطيني أنه مثل تهديدا حقيقيا لحياة الجندي الإسرائيلي الذي قتله . وما أكثر الفلسطينيين الذين قتلوا أو جرحوا جراحا لا شفاء منها على مئات الحواجز في الضفة ؛ لأن جنديا اشتبه في حركة فلسطيني أو فلسطينية . واستقبلت إسرائيل رمضان بهيستريا من التحذيرات خوفا من عمليات فلسطينية ، واستغاثت بحلفائها من العرب لنجدتها مسبقا من تلك العمليات دون أن تفعل شيئا من طرفها لتجنب ما يدفع الفلسطينيين للقيام بتلك العمليات التي لا يقدمون عليها إلا مضطرين ضاقت بهم السبل إزاء عدوانيتها المتنوعة الضارية على كل جزئية في حياتهم . لم تترك سبيلا للحياة الإنسانية إلا سدته في وجوههم . ما الذي يحض شابا في ريعان شبابه على التضحية بنفسه وأحلام وجوده في موقف لا أمل فيه في ذرة نجاة مثلما فعل الشهيدان محمد أبو القيعان ورعد حازم ومن سبقهما من الشبان الفلسطينيين والشابات الفلسطينيات ؟! إنه القهر الإسرائيلي المتوحش الأعمى ، واليأس من نهاية عادلة للمأساة الفلسطينية . وتصنف إسرائيل المقاومة الفلسطينية إرهابا ، وتستنيم لتصنيفها الكاذب ، وتحث من يشبهها في سوئها وسفالتها ووحشيتها ، ومن أسف أن بينهم عربا ومسلمين ، على مسايرتها في هذا التصنيف الذي ستكون هي أول ضحاياه ، وسيبوءون هم بعار لا يبارح سيرتهم للأبد ، وأشد من هذا عقابهم عسير عند الله _ تعالى _ الذي حرم الظلم على نفسه وعلى عباده ، ومن ينصر الظالم عاصٍ لله ، وهذه هي حقيقة من ينصر إسرائيل الظالمة للفلسطينيين . وإسرائيل الآن في أعتى مراحل تاريخها يأسا وعجزا . أفاقت على ما تجاهلته منذ أن وجدت ، بل قبل أن توجد ، وهو أن لهذه الأرض أهلا ، وأنهم لن يسلموا باغتصابها لوطنهم ، وبوحشيتها في معاملتهم ، ولها أن تصنفهم كيفما أحبت من التصنيفات ، فهم يعلمون من هم ، ويعلمون من هي ، ويتصرفون في ضوء هذا العلم .
تناهت مرةً صفاقةُ جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل السابقة الأوكرانية الأصل، فقالت : " لن تغفر إسرائيل للفلسطينيين أنهم يجبرونها على قتلهم ! " ، وكانت قبل ذلك القول أنكرت وجودهم حين سئلت في زيارة لدولة أوروبية بعد عدوان 1967 عما ستفعله لهم بعد الاستيلاء على كل أرضهم مع أنها وصفت نفسها قبل ذلك القول وقبل الإنكار بأنها فلسطينية ، وبيجين رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق وصف نفسه أيضا بأنه فلسطيني إبان زيارته للإسماعيلية بعد زيارة السادات للقدس في نوفمبر 1977 ، وفلسطين بريئة من الاثنين براءة الذئب من دم يوسف _ عليه السلام _ فهو بولندي قدم إلى فلسطين في 1942 ، وهي مثلما هو معروف أوكرانية هاجرت أولا إلى أميركا ، وتاليا إلى فلسطين في 1921 . وعجز إسرائيل ويأسها لا يوجهانها إلى شيء من العقلانية والحكمة في التعامل مع الفلسطينيين ، والتكفير في هذا التعامل عن خطيئة اغتصابها لوطنهم وقتلهم ، بل يدفعانها إلى التمادي في هذا الاغتصاب وهذا القتل وفق المبدأ الذي سارت عليه منذ وجودها " ما لا تنجزه القوة ينجزه مزيد من القوة . " ، وهذا ما تفعله في الضفة ، تهدد باقتحام مخيم جنين ، وتتردد خوفا من فشلها في اقتحامه ، وما قد يقتل من جنودها ، واعتقلت 26 فلسطينيا في مناطق متفرقة من الضفة ، بينهم ضابط بالأمن الوطني الفلسطيني هو عزمي منصور ، والأحداث تتوالى ، وكل المفاجآت متوقعة ، وترتفع أعداد الإسرائيليين المطالبين بالعلاج النفسي من آثار الهلع الذي اقتحم نفوسهم أثناء مشاهدتهم في وسائل الإعلام المرئية لعمليات المقاومة الفلسطينية . ويكاد كل إسرائيلي أن يصرخ يائسا مكروبا : أين المفر ؟!
كلا لا مفر لهم في فلسطين ، المفر في الهجرة منها . وتستحيل ديمومة الوضع الحالي في فلسطين . ستة ملايين مستوطن يهودي قدموا من كل أنحاء المعمورة يتحكمون في حياة ثمانية ملايين فلسطيني ويدمرونها ، وهدفهم النهائي طردهم من وطنهم ليلحقوهم بمن طردوا من إخوانهم في 1948 و1967 . وشيئا فشيئا تتوحد الكتل الفلسطينية الثلاث في الضفة وغزة وأراضي 1948 المحتلة ، وجسد توحدها في حرب " سيف القدس " في العام الماضي أعلى درجاته الأمر الذي أرعب إسرائيل ، فاتخذت كثيرا من الخطوات لمواجهة فلسطينيي الداخل ، ومن مردود هذه الخطوات أنها زادتهم نفورا منها ، والتحاما بإخوانهم في الضفة وفي غزة وفي المهجر الإجباري الذي يتناثرون فيه . ودائما يسرع فلسطينيو الداخل إلى الالتحام مع إخوانهم في الضفة والقدس للدفاع عن الأقصى . وفي تصعيد لهذا الالتحام تأتي دعوة رئيس القائمة المشتركة أيمن عودة للعاملين في أجهزة الأمن الإسرائيلية من فلسطينيي الداخل إلى إعادة سلاحهم إلى هذه الأجهزة التي تحارب شعبهم ، وأفزعت هذه الدعوة الإسرائيليين ، وسنرى ردود فعلهم عليها التي ستمس أيمن بسوئها إلا أنها لن تفلح في وقف التلاحم الفلسطيني الحتمي . ومن هزليات إسرائيل أنها تخير الفلسطينيين بين العصا والجزرة حاسبة أن العصا ستخيفهم وتلجئهم إلى اختيار الجزرة ، والرد الفلسطيني هو : خذوا عصاكم وارحلوا ، أما الجزرة فهي جزرتنا لكونها خير بلادنا . وكل النذر والبشائر تنبىء أن الزلزال الفلسطيني يقترب ، وهذه المرة سيكون مختلفا عن الزلزالين أو الانتفاضتين السابقتين اللتين وئدتا ، وتعلم الشعب الفلسطيني من وأدهما ما سيجعل الزلزال المقترب مختلفا عنهما في هزاته وفي حصاده ، وما أكثر ما تغير في المنطقة وفي العالم بعد الزلزالين أو الانتفاضتين السابقتين ، والتغير في جوهره لصالح الفلسطينيين وسائر قوى الحق والعدل في العالم ، وضد قوى الباطل والظلم فيه ، ومنها إسرائيل .