السنوار خلفا لهنيّة: اغتلتم المفاوض فإليكم المقاتل!

رأي القدس

لا يمكن اختصار يحيى السنوار، الرئيس الجديد للمكتب السياسي لحركة «حماس» بصفة واحدة تحدده، فهو في الحقيقة يمثّل الشخصية الفلسطينية المركّبة التي جمعت عبر عقود طويلة من الصراع الوجودي مع إسرائيل خبرات هائلة، يحتاجها الفلسطينيون باعتبار إسرائيل منظومة معقّدة تتداخل فيها عناصر السياسة العالمية والداخلية، والدين، والأيديولوجيا، والتاريخ والجغرافيا، وعليه فإن السنوار ليس مهندس المعارك والسجين السابق فحسب، فخلال سنوات سجنه الطويلة تعلم العبرية وألف كتابي «الشوك والقرنفل» (رواية) و«حماس: التجربة والخطأ» كما ترجم ثلاثة كتب هي «الشاباك بين الأشلاء» و«الأحزاب الإسرائيلية» و«المجد».

اعتقل السنوار، عدة مرّات، وحُكم بأربعة مؤبدات قضى منها 23 عاما في سجون الاحتلال الإسرائيلي، قبل أن يُفرج عنه في صفقة تبادل أسرى عام 2011، وشكّل إعلان حركة المقاومة الإسلامية «حماس» تعيينه رئيسا للمكتب السياسي للحركة خلفا للشهيد إسماعيل هنية مفاجأة سياسية وعسكرية كبيرة.

كان لافتا ما صرّحت به الحركة، على لسان أحد قادتها، أسامة حمدان، بأن الاختيار «جاء بالإجماع» وأنه «تأكيد على وحدة الحركة وإدراكها للمخاطر التي تواجهها» وعلى أن سياسة الاغتيالات الإسرائيلية «لن تنجح في كسر شوكة المقاومة» ورأى أغلب من حلّلوا القرار أنه رسالة تحد لإسرائيل، فاغتيالها لمن اعتبره بعض ساستها (وكثير من السياسيين في العالم) شخصا معتدلا يمكن التفاوض معه، أدى إلى اختيار الشخص الذي يقاتل على الأرض، والمعروف بصلابته ومراسه الشديد.

 

يمثّل القرار إشكالية لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، المسؤول الأول عن قرار قتل هنية، فإذا كان المقصود من الاغتيال إضعاف مواقف «حماس» على الأرض، وفرض شروط الاحتلال عليها في المفاوضات، فإن النتيجة كانت قرار الحركة وقف تلك المفاوضات ومواصلة القتال، ناهيك عن تداعيات هذا الاغتيال على المستوى الإقليمي، الذي يهدد إسرائيل بمواجهات أقسى يمكن أن تصل إلى الحرب مع لبنان وربما مع إيران.

تسبب القرار بحالة صدمة في إسرائيل التي تعتبر السنوار العقل المدبر وصاحب قرار الهجوم على المستوطنات الإسرائيلية في السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي، فرأت هيئة البث الإسرائيلية في تعيينه رسالة بأن قيادة الحركة في غزة «قوية وقائمة وستبقى» واعتبرت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» أن الحركة اختارت «أخطر شخص لقيادتها» أما تصريحات الساسة الإسرائيليين فكشفت عن الغضب ودعوات الانتقام الدموي حيث قال وزير خارجية الاحتلال يسرائيل كاتس إن تعيينه «سبب آخر لمحو هذه المنظمة من على وجه الأرض» كما قال الناطق باسم الجيش دانيال هاغاري إن «مكان السنوار بجانب محمد الضيف» قائد «كتائب القسام» الذي زعمت إسرائيل إنها اغتالته قبل أكثر من أسبوعين.

يُظهر قرار تعيين السنوار، وحصوله خلال أيام قليلة من اغتيال هنية، أن الحركة حافظت على تماسكها القيادي بسرعة، وهو ما أضعف رهانات إسرائيل على حصول خلافات بين قيادة الخارج والداخل، أو بين أقاليمها الثلاثة، في الخارج والضفة الغربية وغزة، وبتسليم قيادتها إلى قائدها في قطاع غزة أظهرت الحركة جرأة، وقدّمت رهانا معاكسا لرهان إسرائيل.