اتحدوا ضد الإبادة
اتحدوا ضد الإبادة !
أ.د. حلمي محمد القاعود
سأفترض جدلاً أن منظمة " حماس " ارتكبت من الجرائم و الأخطاء مالم يرتكبه الشياطين وأن منظمة " فتح " طاهرة بريئة نقية ، ولا علاقة لها بالعدو النازى اليهودى فى فلسطين ، ولم تساعده فى اغتيال شرفاء المقاومة ، ولم تكن خنجراً فى ظهر المقاومين الأبطال ، وأن قادتها يعيشون حياة التقشف والزهد ، وليس لهم شركات أو استثمارات أو ملايين فى هذه البنوك أو تلك وأنهم لا يتاجرون مع العدوّ ولا ينسقون معه ولا يسهرون فى حاناته وباراته .. وبأنهم صورة منقحة للمجاهدين الجزائريين ، الذين انتصروا على العدو الصليبى الفرنسى الذى يحتل أرضهم وأباد منهم مئات الألوف ، ويوم حلت مفاوضات الجلاء عن الجزائر ، بحثوا لأحد القادة المجاهدين عن حذاء يليق به ليجلس على مائدة التفاوض فلم يجدوا ..
سأفترض كل ذلك ، واسأ ل الفلسطينيين جميعاً بعد مائة عام تقريبا من تخطيط الغزاة النازيين اليهود للاستيطان فى فلسطين وطرد أهلها منها ، وبعد مئات اللقاءات وعشرات الاتفاقيات السرّية والعلنية معهم .. هل وجدتم لديهم وفاءً وإنسانية ؟ وهل نفذوا اتفاقاً واحداً من الاتفاقات المجحفة التى وقعت معهم ؟ وهل صدقت وعودهم لزعماء القبائل والعشائر ومختارى القرى والمدن الفلسطينية فى النصف الأول من القرن العشرين ، وحكام العرب وزعماء المقاومة فى النصف الثانى منه ؟
الغزاة النازيون اليهود ليس لديهم وفاء أو إنسانية ، ولا ينفذون اتفاقاً ولا يصدقون فى وعد ، ولديهم الأسباب والحيل والخدع التى تجعلهم يتنصلون من كل التزام ، مهما كان موثقاً ومدعوماً بالشهود . وهذا لسبب بسيط جداً .. يتمثل فى أنهم لا يؤمنون إلا بالقوة ، ولا شئ غير القوة .
إن الكيان الصهيونى كيان عسكرى ، كل فرد فيه – مهما كان سنه – مجند للقتل والتدمير والتخريب والإرهاب ، وقد عمل معظم أفراده بما يُسمى " جيش الدفاع " ، لافارق بين رجل أو امرأة ، شاب أو عجوز ، فقير أو غنى ، كلهم حملوا السلاح وقاتلوا قبل إقامة الكيان وبعد إقامته ، ومن لم يحمل السلاح عمل فى التجسس وجمع المعلومات والإيقاع بالعرب بطريقة وأخرى .
إنه كيان محارب ، بل قاعدة عسكرية .. صنعها الغرب الصليبى الاستعمارى المتوحش ورعاها ونماها ودافع عنها وعن جرائمها فى المحافل الدولية وأمام الرأى العام الإنسانى .. حيث تطابقت أهدافه مع أهداف اليهود ، فى تمزيق العرب وإبادتهم بعد الاستيلاء على ثرواتهم ومقدراتهم وفى الوقت نفسه تكون القاعدة العسكرية مركزاً لتجميع اليهود من شتى أنحاء العالم لممارسة نزعتهم الشريرة فى العنصرية بوصفهم شعب الله المختار ، وما عداهم أقل درجة ومكانة .. أو بلا قيمة على الإطلاق ( الجوييم ! ) .
هذه البدهيات تحتاج إلى تكرار ، لأن بعض الفلسطينيين ، فى سبيل مآربهم الشخصية ، أو أغراضهم الخاصة يتناسون البدهيات التى ينبغى ألا يختلف عليها أحد ، ولا ينساها أحد !
ويوم كان الغزاة النازيون اليهود فى طور التسلل إلى أرض فلسطين ، وبناء المستوطنات ، وتجريف السكان الفلسطينيين ، كانت منظماتهم الإرهابية عديدة ، تعمل فى ظل ما يُسمى بالوكالة اليهودية ، وقد صنفوا أنفسهم بين متشددين ومعتدلين ، الأولون يتكلمون لغة حادة ومخيفة ، والمعتدلون ينطقون بلغة ناعمة ومرواغة ، والوكالة تواجه العالم بما يريده العالم .. وكلهم لا يتورع عن القتل وسفك الدماء وإرهاب الفلسطينيين كى يهربوا ويتركوا الأرض خوفاً وهرباً من الموت والجحيم !
بلغة أخرى ، وزع الغزاة النازيون اليهود الأدوار فيما بينهم ، ليتكامل عملهم الإجرامى ويحقق أهدافه وغاياته ..
أما أهل فلسطين ، فقد كانوا على العكس من ذلك تماماً .. العائلات الخمس الكبرى قبل نكبة 1948م ، كانت تتنافس على الزعامة ، وفى أثناء القتال ، انطلاقاً من التعصب العائلى وأشياء أخرى ، وبعضهم رفض أن يدعم عزالدين القسام ويمدّه بالسلاح والرجال مع أن الرجل أوشك على تحقيق انتصارات فى القدس وما حولها .. فكانت الفجيعة التى مكنت الغزاة النازيين اليهود من ربط مناطقهم الشمالية بمناطقهم الجنوبية ، وحرموا الفلسطينيين الوجود الذى كان يمكن أن يصنع بداية لدحرهم وهزيمتهم !
ما جرى بعد نكبة 1967م ، كان الشىء نفسه بين المنظمات والفصائل .. لم تقاتل معاً ، ولم تخطط معاً ، ولم تتكامل معاً ، وكانت آلام ومحن ونكبات أشدّ .. فى أيلول الأسود ، وبيروت ، وجنوب لبنان ، ثم رحيل إلى تونس واليمن ومصر ، واغتيالات فى تونس ولبنان وأوروبا .. ومع ذلك لم يستفد القوم مما جرى وسبق .. حب الزعامة يؤدى إلى الاقتتال الداخلى ، والمصالح الخاصة تفسد كل عمل مقاوم ، وتمكن العدو النازى اليهودى من ممارسة المزيد من الإبادة والحصار والتشرد !
فى العملية المشتركة بين الوية الناصر صلاح الدين واللجان الشعبية ، التى وقعت في أوائل سبتمبر 2007م ، وأصابت قرابة سبعين جندياً صهيونياً فى " زكيم " شعر العرب والمسلمون فى كل مكان بالفرح والبهجة ، لأن المقاومة " المتحدة " استطاعت أن توجع الغزاة النازيين اليهود ، وأن تضربهم ضربة مؤثرة ، بعد أن ظلوا – وما زالوا – يتوغلون فى القطاع والضفة ، ويغتالون المقاومين ويأسرونهم .. فى الوقت الذى كان يقوم فيه فخامة الرئيس المفدى آية الله محمود رضا عباس ميرزا ، بمعانقة أولمرت ورجاله ونسائه فى القدس الغربية المحتلة ، ولم يصل فى حواره ومفاوضاته الطويلة إلى مجرد إزالة حاجز واحد من مئات الحواجز التى تفصل مدن الضفة الغربية وقراها عن بعضها ، فضلا عن فتح معبر من المعابر التى يتعذب أمامها الفلسطينيون المسافرون والعائدون .
ولا شك أن العملية المشتركة أثلجت صدور كل من يحب فلسطين ، ويحلم بتحريرها وعزتها وكرامتها ، وهو ما يجعل من الضرورى أن تقوم جميع الفصائل الحقيقية المخلصة فى جهادها وتضحياتها بالعمل المشترك ، والاتحاد ضد الإبادة التى يقوم بها الغزاة النازيون اليهود فى فلسطين .
لقد عرف العالم أن هؤلاء الغزاة لا يختلفون أبداً على هدفهم الرئيسى ، وإن كانت اللغة تتفاوت من جهة إلى أخرى ، ومن حزب إلى آخر – وليتنا لا ننسى أن المعتدلين منهم هم الذين شنوا الحروب الكبرى ضد العرب والفلسطينيين ، واحتلوا الأراضى العربية التى مازال بعضها محتلاً حتى الآن ، والذى تحرّر قبض ثمنه المتشدّدون !
ليتنا نتعلم من أعدائنا ، ونتنازل عن نرجسيتنا قليلاً ، وأعتقد أنه ما زال فى " فتح " رجال محترمون يريدون التضحية قبل تحقيق المكاسب الشخصية الزائلة ، وإلى هؤلاء أقول : اتحدوا ضد الإبادة ، واتفقوا مع إخوانكم فى حماس والفصائل الأخرى ، واجعلوا الجهاد طويل النفس المستمر ، غايتكم الأولى والأخيرة . أما السلطة فالقوا بها فى أقرب سلة للقمامة ولن تخسروا شيئا.