الأسد إلى الأبد وسوريا إلى الجحيم
أمير أوغلو / الدانمارك
انتهت المهزلة وظهرت النتائج التي كان الجميع ينتظرونها بفارغ الصبر فقد كان التنافس بين المرشحين حاميا جدا، فالمخابرات السورية لا ترضى بأقل من 100%، أما وزير الإعلام ومجلس الكركوزات السوري فكانا يراهنان على 99%، وزير الخارجية الكركدن الكبير ووزيرة المغتربين شعبولا كانا يحاولان إقناع بشار الأسد ومخابراته بأن النسبة يجب أن تكون بحدود 95% احتراما للرأي العام العالمي وحتى لا تتبهدل صورة سورية أكثر مما هي مبهدلة حاليا، ولكي لا ندع مجالا للإنتقادات من الأطراف العميلة التي تقف في وجهها سوريا الأسد سوريا الصعود والتخلي، التخلي عن الأراضي، وصعود الرئيس وزمرته إلى قمة أغنياء العالم.
المهم أن المهزلة انتهت أخيرا بحل وسط اتفقت عليه كافة الأطراف المعنية بالأمر وكانت النسبة 97% تقريبا وهي نسبة معقولة وتزيد عن نسبة الاستفتاء الأول عام 2000 بشيء بسيط جدا مما يؤكد تواضع الرئيس الشاب وعدم اقتناعه بأن كل الشعب معه فقد رضي أن يصوت ضده 19ألف مواطن. ياللديمقراطية!
الجديد في الأمر والذي أصر عليه الأسد ومخابراته والذي تعلموه من انتخابات مجلس الكركوزات منذ شهرين، أن نسبة المشاركين يجب أن تكون عالية حتى لا يعترض أحد على هذه النتائج الفلكية. تفقت قريحة الأسد الملهم عن رقم 95% أي أن عدد المشاركين في الانتخابات يزيد عن 11مليون ونصف مواطن وهنا وقع الحمار في الحفرة، فلو حسبنا عدد مراكز الاقتراع وقسمنا عليها عدد الناخبين ولو أعطينا لكل ناخب نصف دقيقة ليدلي برأيه (حيث أن الأوراق مملوءة مسبقا طبعا) فسنحتاج إلى ثلاثة أيام كاملة ليلا نهارا لكي يتمكن الجميع من المشاركة
المحاولة الثانية قسم عدد الأصوات على كمية الأوراق في الصندوق فستحتاج إلى عدد من الصناديق لا يتوفر في سوريا كلها ولو استخدمنا كل تنكات السمنة و الزيت الموجودة عند كل المواطنين كبديل عن الصناديق للضرورة فقط. إلا إذا تم جمع الأوراق في أكياس الزبالة السوداء وهي فعلا لا تستحق أكثر من هذه الأكياس.
كل هذا في الحقيقة ظواهر معروفة ومكررة في سوريا الأسد الأب وسوريا الأسد الابن، لم يعد يهتم بها أحد، ولم تعد تعني شيئا لأحد، اللهم إلا شيئا من الغثيان والشعور بالمهانة والذلة عند من بقي عندهم شيء من الشعور والإحساس. المهم الآن هو السؤال عن المستقبل وماذا يعني هذا الاستفتاء للشعب ولسوريا نفسها، هل سيتغير شيء هل سنتقدم أم سنتراجع ماذا حققنا في سبع سنوات وماذا سنحقق في السبع الأخر؟
المتتبع للوضع السوري لا يرى سوى هاوية تنجرف إليها البلد بتسارع كبير ويرى عصابة حاكمة تتشبث بكل ما تجده أمامها لتبقى على القمة أو لتأخر سقوطها فحسب دون أي اهتمام بمصير البلد ولا بمصير الناس.عصابة بكل ما في الكلمة من معنى، تسيطر على كل شيء من الحزب إلى الأرض إلى المال إلى الموارد الاقتصادية إلى الإعلام إلى أفكار الناس، عصابة تأبى أن يشاركها أحد في شيء فهي تعرف أنها ستذهب وتريد أن تأخذ كل شيء معها حتى ولو لم يبق من بعدها شيء، عصابة لا تغير ولا تجدد إلا بمقدار ما يحفظ عليها مصالحها ويزيد من ثروتها ومن بقائها في الحكم، مهما كان الثمن ومهما كانت الضغوط التي ستمارس على الناس ومهما كانت الضحايا ومهما كانت النتائج. عصابة أحرقت كل شيء في البلد من التعليم إلى الأحزاب إلى القضاء إلى الاقتصاد ولم تبق ولم تذر. عصابة لو رحلت الآن فستحتاج سوريا إلى خمسين سنة أخرى من الحرية ومن العدل ومن الحكم الوطني الحقيقي لتستعيد عافيتها ولتعود إلى وضعها قبل أربعين سنة. هذا إذا لم تحصل كارثة الاقتتال الطائفي أو الديني أو العرقي الذي تهيء له هذه العصابة منذ سنوات والذي غذته وربته وحضنته وتركته كقنابل موقوتة معدة للانفجار بعد رحيلها، تماما كما فعل المستعمر في بلادنا العربية قبل سبعين سنة.
الخلاصة لقد انتخب الناس الرئيس أو أعلنوا موافقتهم على استمراره في تدمير البلد ودفعها إلى الهاوية وجعلها آخر دول الأرض في شتى المجالات، وافق الناس مكرهين أم راضين ، مستفيدين أم طامعين، جاهلين أم مخدوعين، ولكن من الذي سيتحمل نتيجة هذا الاستفتاء وهذا الاستمرار في هذه المهزلة؟ المشكلة أن هذا الشعب بكامله هو الذي تحمل وسيتحمل كل التبعات وسيبتلى بكل المصائب في المستقبل فالذي يظن أنه بهذه الموافقة والمنافقة استطاع أن ينجو بنفسه من مشكلات هو في غنى عنها حاليا، سيقع في المستقبل القريب بمشكلات أكبر وأدهى وأمر، وما حال العراق منا ببعيد، فقد أدى عجز الناس عن التغيير وإيثارهم للسلامة ومطاوعتهم للحاكم الظالم إلى ما أدى إليه، والملفت للنظر هنا أن خسائر الشعب العراقي حاليا أكبر بآلاف المرات مما كان متوقعا من صدام وأعوانه لو حصلت ضده مقاومة حقيقية سلمية موحدة! وهكذا هي سنة الله في الكون وفي الشعوب إما أن تقوم وتضحي وتنتفض وتقول للظلم لا وللظالم لا، وإما أن يسلط الله عليها من يسومها سوء العذاب، أو أن يجعل بأسها بينها شديدا فتقع في فتن مما لا يعلمه إلا الله.
هناك مغالطة كبيرة ينشرها الحكام الظالمون وأتباعهم ومنافقيهم وعلماؤهم وهي مقولة: إما أن ترضوا بهذا الظلم أو ستأتي الفتنة وستأتي أمريكا وستأتي الفوضى و الفساد. والحقيقة هي: إما أن تغيروا هذا الظلم بأيديكم وبكل الوسائل السلمية المتاحة لديكم وبكل التضحيات التي تقدرون عليها، وإما أن يأتي أمر الله بالدمار والويلات. فالله لم يخلق العباد ليعيشوا تحت الظلم والفساد وليرضوا بأن يتحكم بهم وبأولادهم وبمستقبلهم كل من تغلب على السلطة كما يردد المنافقون، ولكنه خلقهم وكرمهم ليعيشوا مكرمين أعزة لهم حقوقهم وواجباتهم ولهم حريتهم وكرامتهم، حتى أنه أرسل رسله كلهم ليخرجوا الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام فالله هو العدل وهو الحق ولا يرضى لعباده الظلم ولا يرضى لهم إلا العدل والحرية والكرامة.