سوريا والسلطة السورية في خطاب الخبث والسذاجة
سوريا والسلطة السورية في خطاب الخبث والسذاجة
د. منصف المرزوقي
تزدهر هذه الأيام في الصحافة السمعية والمرئية العناوين حول تورّط " سوريا" في اغتيال الحريري وإدانة " سوريا" من قبل التقرير الشهير والضغوطات التي تتعرض لها " سوريا" الخ .
قلّ من تستوقفه ما في طريقة صياغة هذه العناوين (وبغض النظر عن محتوى الأخبار التي تشير إليها ) من تزييف للواقع، فهذا توصيف لا يستعمله شخص إلا وكان ضرورة خادعا أو مخدوعا. وإن كان خبث السلطة الاستبدادية مفهوما وهو يحاول دوما اختزال سورية بتاريخها وبمجتمعها وبمختلف تياراتها السياسية في الدولة والدولة في النظام والنظام في حفنة الأشخاص الذين يتهمهم التقرير، فإنه من الغريب أن تنخرط وسائل إعلام تدّعي الموضوعية في نفس الخديعة.
هل من المسموح لها، هي التي تدعي إنارة الرأي العام، بأن تنخرط في إشاعة أهمّ ركيزة الفكر الاستبدادي وهو أن الوطن ليس المجتمع والقيمة الأولى فيه المواطنة وإنما هو النظام والقيمة الأولى فيه الوفاء للقائد ولنظامه الفاسد. هكذا اختزلت تونس في شخص رئيسها وأصبح نقد سياسته خيانة لتونس وهكذا أصبح التهجم على مبارك تشويها لسمعة مصر. ها هي سوريا اليوم بقدرة خطاب الخبث أو خطاب السذاجة المدانة في العملية القذرة، والحال أن الإدانة لا تتعلق إلا بحفنة من الأشخاص يشكلون قمة هرم السلطة الاستبدادية في سورية.
وفي الواقع فإن قضية تسمية الفاعلين في السياسة ليست دوما سهلة حتى بالنسبة للبلدان التي تحكمها أنظمة ديمقراطية. فمن باب التجاوز والتسطيح والمبالغة أن نقول أو أن نكتب أن "أمريكا " ترغب في مواصلة احتلال العراق لأن أمريكا هي أيضا أربعين مليون شخص صوتوا ضد بوش في الانتخابات الأخيرة. هي لا تختزل فقط في المحافظين الجدد وإنما فيها قوى مناهضة لهذا الفكر السياسي ناهيك عن وجود نساء مثل سندي شيهان أم الجندي القتيل والتي تناضل بكل قواها ضد الحرب باستنفار الأمهات الأمريكيات.
إلا أن قاعدة الغلبة للعدد في النظام الديمقراطي – و لها ككل القواعد حسناتها، لكن أيضا عيوبها وحدودها- تسمح لبوش بالقول، لمدة جد محدودة من الزمان، أنه يتكلم باسم كل أمريكا. لكن شيئا من هذا القبيل غير موجود عندنا، فالدكتاتور العربي لا يحمل تفويضا إلا وكان تفويض ال99% وكلنا نعلم أنه بمثابة عملة مزيفة طبعت على ورق جرائد على ناسخة مكتب وسط الشارع يوم سوق. إضافة لهذا هو يمنح لنفسه الحق بالتكلم باسمنا إلى الأزل بل ويسعى لتوريث الحق للعزيز جمال وبشار وسيف الإسلام وبقية الذرية الصالحة.
إن دور المثقف غير المأجور والإعلامي غير الساذج رفض الخلط المتعمّد الذي تمارسه سلطة فاقدة الشرعية، فاقدة المصداقية وهي تربط آليا بين وطن مستعبد ونظام استبدادي لا يمثله وإنما يحتلّه.
فمن العادل ومن الموضوعي أن نكتب مثلا أن تقرير ميليس يدين السلطات السورية لكن أن سوريا هي المعرضة لخطر لعقوبات.
تذكرني هذه الملاحظة بالحرب الضروس التي جرت في التسعينات عندما تكونت في تونس لجنة لمساندة العراق المحاصر. أصررت يومها أن تسمى اللجنة لجنة مساندة الشعب العراقي اعتبارا أن الشعب العراقي رهينة وأنه موجود بين مطرقة صدام وسندان بوش الأب. ويومها فرض القومجيون اسم لجنة مساندة العراق وكانت في الواقع لجنة لمساندة النظام الذي قاد الشعب العراقي المسكين إلى المآسي المعروفة وآخر حلقاتها ما نشاهده يوميا.
إن سورية في نفس الوضع اليوم، ومن واجبنا أن نتجند بكل ما نملك من وسائل لنصرة شعبها وهو بين مطرقة الاستبداد القديم والاستعمار الجديد. وقد يكون اضعف الإيمان أن لا نسخر منها أو نحتقرها بوضع اسمها للتغطية على من اضطهدوها وأذلوها ودمروها ونهبوها كل هذه العقود.
* مفكر وحقوقي عربي من تونس