رسالة إلى الناشر المسلم
رسالة إلى الناشر المسلم
د. مأمون فريز جرار
أخي الناشر المسلم
سلام الله عليك وأنت تقف على ثغر من ثغور الإسلام المهمة في هذا العصر فبجهودك ينتشر الفكر الإسلامي الصائب والأدب الهادف.
إن دور النشر كثيرة في ديار العرب، وكثير من أصحابها، تجار كلمة، يهمهم الكتاب الرائج بغض النظر عن محتواه وأثره في العقول والقلوب، فتراهم ينشرون المتناقضات ويركضون وراء المشاهير، من المؤلفين، الذين لهم قبول عند جمهور القراء وكثير منهم أصحاب فكر منحرف، فهم ينتقون من الكتب المؤلفة والمترجمة ما يروح لفكرهم وينشرون للأدباء الذين هم على شاكلتهم وبجهود هؤلاء الناشرين ارتفعت في سماء ثقافتنا المعاصرة أسماء سار ذكرها مسير الشمس، وراجت أسماء أدباء عرفهم كل قارئ، فإذا كان تجار الكلمة يسعون وراء هدفهم بجدّ ونشاط، و"تيار الفكر المنحرف" ينشرونه بدأب وعزيمة فماذا عنك أنت أيها الناشر المسلم؟
إنني أطمع في أن يلاحق الناشر المسلم أخاه الكاتب المسلم ليستحثه على الجديد المفيد، وليفتح أمامه آفاقاً من الكتابة يرى أنها لا تزال بكراً، فالناشر – بحكم موقعه - قد يبصر ما يبصره الكاتب، فهو – أي الناشر - يتابع من موقعه حركة النشر واتجاهاتها، ويعلم احتياجاتها..
وإنني أطمع في أن يكتشف الناشر المسلم الطاقات الكامنة، ويحرض الطاقات الخامدة في مجالي الفكر والأدب، ليقدمه إلى الناس، كما يفعل الإعلاميون النشيطون في الإذاعة والتلفزيون.
بعد هذا أرجو أن تسمح لي – أخي الناشر المسلم - بشيء من المصارحة والمناصحة التي أريد بها الكشف عن شيء من الخلل في العلاقة بين الكاتب المسلم والناشر المسلم، وقد لا يكون هذا الكلام شاملاً لكل الكتاب، ولكل الناشرين، ولكنه يصدق على كثير من الطرفين.
إن من المألوف في كثير من المجالس، أن تنطلق الألسنة الحداد من بعض الكتاب في إخوانهم الناشرين، فمن قائل: إنهم ينشرون لحومنا وعظامنا لا فكرنا، ومن قائل: إنهم ينشلون حقوقنا.
ومن قائل: هل رأيت ناشراً فقيراً؟ وهل رأيت كاتباً استغنى من كتابته، اللهم إلى القليل؟! وتراهم يشكون بعد ذلك من ضآلة النسبة المعطاة لهم، وهم يرضون بها لأنهم لا يملكون بديلاً، فقد لا يستطيع أحدهم أن يطبع كتابه على (حسابه) وإن فعل فسيجد العراقيل والصعوبات في توزيع الكتاب، وإن وزعه فسيبقى انتشاراً محدوداً.
وكثير منهم يشكون من تأخر الناشرين في تسديد حقوقهم، ومماطلتهم في دفعها، بل في أكل بعضهم لحقوق الكتاب، وكم منهم من احتسب أجره عند الله وادخر حصته المقررة عند الله عز وجل ليستوفيها من حسنات الناشر يوم الحساب.
إنني أعلم – أخي الناشر المسلم - أن من الكتاب الإسلاميين متعجلين، يتصور أحدهم أن يأتيه من كتاب واحد ما يطعمه من جوع، ويؤمنه من خوف!!
وأعلم أن منهم "شكاكين" لا يثقون فيما يقوله الناشر، فكلامه غير مصدق في عدد ما طبع من الكتاب، وعدد ما يبيع منه!!
واعلم أن منهم "طماعين" إذا راج كتاب أحدهم بجهود الناشر وعلاقاته طمع بالاستئثار به وحده وأراد حرمان الناشر من حقوقه.
ولكنني أعلم –وأنت تعلم- أنه لا دخان بدون نار، وأن بعض الناشرين قد يسيء إليهم جميعاً، كما أن بعض الكتاب قد يسيء إليهم جميعاً كذلك وهذا يحز في النفس كثيراً.
فإذا كان الناشر والكاتب من أصحاب الفكر الإسلامي والدعاة إلى الإسلام، وكل منهم ينظر إلى الآخر نظرة شك، ويظن ظن السوء، فأي وضع هذا! فإذا عجز أصحاب الفكر الإسلامي وناشروه عن إقامة علاقة سليمة فيما بينهم، فكيف سيقيمون مجتمعاً إسلامياً؟!
فهل لنا أن نطمع في إيجاد حل لهذه المعضلة؟ حتى يؤدي إلى أن تسود الثقة والأخوّة الإسلامية بين الكتّاب والناشرين؟
هل لنا أن نطمع في الوصول إلى "ميثاق إسلامي للكتابة والنشر" تحدد فيه الحقوق، وتوضح الواجبات، ويُحتكم إليه عند حدوث خلاف بين كاتب وناشر؟
إذا كان هذا هو حال الكتّاب "الأحياء" مع الناشرين من خلاف وشك وخصام في أمر الحقوق، فماذا عن "الكتّاب الموتى"؟! نعم الكتاب الموتى الذين يعكف بعض المحققين على نشر تراثهم، أو يعمد الناشرون أنفسهم إلى نشره.
فهل من حق الناشر أو المحقق، أو هما معاً، أن يتجاهلا حق الكاتب الميت؟!
سؤال قد يبدو غريباً عجيباً، ولكن اسمح لي - يا أخي الناشر المسلم - أن أضع بين يديك اقتراحاً تنال به أجراً وتجري به صدقة عن روح الكاتب الميت، إنني أقترح إنشاء صندوق باسم "صندوق التراث الإسلامي" توضع فيه حقوق الكتّاب الموتى، وينفق منه في مشروعات خيرية، وليكن هذا الصندوق فرعاً من فروع "الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية" ليكون رائداً لها في مشروعاتها.
أخي الناشر المسلم:
أختم رسالتي إليك بما بدأتها به من تقدير لجهودك، وإدراك لخطورة موقعك الذي أسأل الله عز وجل أن يثبت قدميك فيه، ويعينك على أداء حقه، وأن يجعل العلاقة بينك وبين الكتّاب المسلمين علاقة أخوّة ومودة.
أما بعد..
فهذه رسالة كتبتها إلى الناشر المسلم قبل عشرين سنة، وما كان يخطر ببالي أن أدخل عالم النشر بعد هذه المدة، وقد كنت من قبل مؤلفاً، فصرت اليوم مؤلفاً وناشراً، ولكن في بداية الأمر على طريقة أخينا د. عدنان النحوي صاحب (دار النشر للنحوي) كما أداعبه، لأنه لا ينشر إلا لنفسه في أغلب الأحوال. وأنا لا أنشر إلا لنفسي ولزوجتي أم علاء، إلا بعد أن يشتد العود، وعسى أن أكون ناشراً يتقي الله ولا يكوي الآخرين بما اكتوى به من نار.
ولعل من المفيد أن أشير إلى أن ناشراً أحبه وأجلّه، قد طلب مني حذف هذه الرسالة من مجموعة مقالات جمعتها وقدمتها للنشر، ولم أجد لذلك سبباً إلا أن يكون الاقتراح الخاص بالموتى من المؤلفين وحقوقهم.