كلمة حب لسمير قصير ولكل كاتب لا ينافق
كلمة حب لسمير قصير ولكل كاتب لا ينافق
ماجد رشيد العويد[i]
ما يمكن كتابته عن سمير قصير وفيه كثير. أول ما يمكن قوله إنه صاحب قلم حر أبى غير قول الحقيقة، وأبى أن يكون غير نبراسها، علماً ساطعاً في سماء حُجب ضوءها بغيوم الاستبداد وأنظمة الجهل والتخلف والشمولية. ولقد كان حرّاً بقدر كتابته، لم يهادن نظامه الأمني العفن الذي لا يليق أبداً بوجه لبنان الذي أكثر ما يكون شبهاً بوجه أنثى على قدر هائل من الجمال وسط كثير من القبيحات اللواتي اتشحن بكل ما هو رث بغيض.
أجل هكذا كان الصحافي والكاتب اللامع سمير قصير، كان قلماً يثقب سماء الطغاة، قلماً أطاح بالخوف ليرديه سادة هذا الأخير صريعاً خوفاً منه، ومن حبره، ومن رغبته الجموح بحياة نظيفة حرّة. أنا لا أعرف سميراً معرفة شخصية. وأعرفه ربما أفضل بكثير من كثير من مواطنيه. وبلا ريب فإن قاتل الحريري هو قاتل سمير. الأول كان له مشروعه في إنهاض لبنان من كبوته، عبر إشاعة المحبة وتمتين العلاقة بين طوائفه بعيداً عن هذه الانتماءات قصيرة النفس والفكر والعقل، وكان هذا عبر إقامته مؤسسةَ الحريري التي كانت له بمثابة الحزب السياسي. أيضاً فالحريري لم تُلوّث يداه بدم شعبه. لم يكن يوماً من أمراء الحرب، ولا سارع في لحظة إلى أن يكون واحداً منهم بل دأبه كان إلى جمع هؤلاء " الأمراء " على حب لبنان، وبنائه. فهو إذا السياسي الذي يريد خير بلده. وهكذا كان سمير قصير الصحافي العربي السوري الفلسطيني اللبناني. لم يكن من الأمراء وأنى له أن يكون منهم وهو صاحب قلم لم يُعرَف عن أمثاله عبر تاريخ الفكر أنهم أصحاب سيف، وإن مجّد بعضهم دور الأخير. وبقدر ما كان الحريري يرجو خير لبنان كان قصير يرجوه، ولكن عبر حبره الذي سال حتى أسال دمه في تفجير وحشي لا يتقنه إلا أصحاب الظلام وهم كثر في عالمنا العربي الأسود.
لكن قتل سمير بهذه الطريقة الوحشية، والبراعة في التخطيط لهذا الشر والإثم لن يوقفا لا حركة الفكر الفياض من الأقلام الشريفة، ولا رغبة الناس بالتحرر من جلاديهم، لا اليوم ولا غداً. وربما كان قتله موّلداً للرغبة الجامحة بالتحرر من غَلَس الطغاة وهو بلا أدنى شك يحفّز على العمل على الإطاحة بهم بالحبر الذي أساله قلمه. ولعل المصيبة تكمن في أن العسكر يعتقدون أنهم دائمو القدرة على ابتزاز مشاعر الكتّاب وترهيبهم بالموت، فيذهب هؤلاء إلى بيوتهم يقودهم خوفهم، فليوذون بالجدران خوف رصاصة " طائشة " أو سيارة " ملغّمة ". لكنْ من الكتاب صنف لا يهاب موتاً بل ويتحداه بجسمه العاري إلا من عقل لم يتمكن منه الطغاة الذين ما عرفوا في حياتهم غير حبّ الشهوات من مال ونساء وخمرة يدلقونها في أحضان الغواني.
الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان قُتِلَ مسموماً لأنه لم يرضخ لرغبة الخليفة، ولأن هذا الأخير أراده عوناً له على الناس ليرضخ هؤلاء لمشيئة متجبر. كذلك فعل سمير قصير الذي لم يرضخ لسلطة هالكة ليس لها على كل حال حظ أو نصيب من المقارنة مع سلطان أبي جعفر المنصور إلا في مدى التسلط والجبروت. ولن يتحول اغتيال سمير قصير ـ على خطورته وبشاعته، وربما تهديده إلى حين حريةَ الكاتب ـ إلى اغتيال للكلمة الحرة، لأن هذه الأخيرة فاتنة، مغرية، ولأنها ولاّدة، ومن رحمها سوف يولد ألف سمير وسمير. ولأنه أيضاً اجتمع فيه وأمثاله " الرأي " و " شجاعة الشجعان " فللّه درّه وأمثاله أينما وجدوا في بلاد الطاغوت من المحيط إلى الخليج.
أديب سوري