عشر سنوات
عشر سنوات
د. مأمون فريز جرار
حملُ المسؤولية في أي موقع من المواقع أمر لا يحرص عليه عاقل، ولا يتخلى عنه قادر من غير تطلع إليه، وحين يجد ممن حوله رغبة إليه في الأمر.
لكن لكل بداية نهاية، ولكل مرحلة ظروفها ورجالها، وإن طول مقام المرء في موقع المسؤولية قد يخلف آثاراً سلبية لديه وفي المؤسسة التي يقودها.
أما عند من يتولاها فقد يأخذ منه الغرور مأخذه حين ينظر إلى ما تحقق على يديه أو في مرحلة تولي القيادة وقد يصل به الأمر إلى أن يرى ما تحقق بثمرة جهده، وهو في الحقيقة ثمرة جهد مشترك كان هو في المقعد الأول من الحافلة بل كان هو في مقعد السائق!! فإن يكن من فضل فليس له وحده بل يشاركه فيه من معه.
وأما الأثر السلبي على المؤسسة فهو أن يربط جمع من الناس نجاحها بشخصه، ويقع لديهم وَهْمٌ أنه إذا ترك القيادة اختل الأمر، وتشتت الجهد، وقد يكون مثل هذا القول "حكّاً على جَرَبٍ" لدى أصحاب النفوس الضعيفة ممن يتولون القيادة، لكنه ذو أثر سلبي على المؤسسة وعملها. ولا يخلو جمع من أناس قادرين على القيام بالأعباء، وتحمل المسؤولية، وشواهد ذلك كثيرة من قبل ومن بعد.
خطرت لي هذه الخواطر وأحببت أن أسجلها بعد رحلة مع المكتب الإقليمي في الأردن، لرابطة الأدب الإسلامي في رئاسته التي امتدت عشر سنوات، وهي مدة طويلة في عمر المؤسسات الأدبية التي من المعتاد أن تتغير الرئاسة فيها بعد ثلاث سنوات أو سنتين، ويجدد للرئيس مرة واحدة، لكن الذي جعل الأمر يمتد هذه السنوات هو ثقة الإخوة والأخوات من أعضاء الرابطة في الأردن، تلك الثقة التي تجددت أربع مرات في هذه السنوات العشر، وتلك ثقة غالية أعتز بها، وأراها ذخراً لي، أحمد الله عليه، وأشكرها للإخوة والأخوات. وحين جاء موعد الانتخابات الأخيرة وجدت من كثير من الإخوة رغبة في أن أستمر في قيادة المكتب الإقليمي، وألح بعضهم عليَّ إلحاحاً أخجلني، لكنني كنت قد استخرت واستشرت، ولمستُ من قبلُ رغبةً لدى بعض الإخوة في أن أخلي الموقع لغيري، وهو مطلب لا يغضبني بل أراه حقاً، وذات يوم قال أحد الإخوة معبراً عن رفض التجديد لرئاسة المكتب أكثر من مرة "إنها رابطة مأمون جرار" وإذا نحينا البعد الشخصي في الكلمة رأيت فيها إحساساً بضرورة التجديد في قيادة الرابطة حتى لا تربط بشخص ما.
كل ذلك ولَّدَ لديّ إصراراً على البعد عن الرئاسة أو المشاركة في الهيئة الإدارية بأي موقع، وذلك ليعلم الإخوة أنني لست حريصاً على موقع القيادة، وتعلمت من الحياة درساً مهماً، فأن تترك موقفك ومن حولك يقول لك ابق فيه، متمسكاً بك، خير من أن تبقى فيه حتى يقول من حولك متبرماً: متى ترحل!!
أيها الإخوة والأخوات في المكتب الإقليمي في الأردن لكم التحية والتقدير، وأطلب منكم المسامحة والتماس العذر في أي تقصير وتبقى مشاعر الود والمحبة أغلى من كل شيء في هذه الحياة، فما انتسبنا إلى الرابطة لتحقيق مكسب عاجل، أو مغنم قريب رخيص، بل هو السعي إلى محبة الله ورضوانه.