الدكتور مأمون فريز جرار

قمر من أقمار

عبد الله الطنطاوي

-1-

أقام المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية في عمّان- الأردن، احتفالاً متواضعاً كرّم فيه رئيسه طوال السنوات العشر الفائتة، الأديب الشاعر الباحث: الدكتور مأمون جرار.

قدم الدكتور عودة أبو عودة –رئيس المكتب الإقليمي الجديد- كلاً من الأستاذ الكاتب المؤرخ حسني جرار، وأستاذ النقد في الجامعة الهاشمية في عمان، الدكتور مصطفى عليان، ليتحدثا عن عضو الرابطة المحتفى به، بعد أن قدّم الدكتور عودة نبذة عن حياة الدكتور مأمون العلمية، والأدبية، والوظيفيّة.

تحدث الأستاذ حسني جرار عن (مأمون جرار شاعراً) وتناول بحديثه الجانب الفلسطيني، والجانب الاجتماعي في شعره.

وتحدث الدكتور عليان عن كتاب الدكتور جرار: صور ومواقف من حياة الصالحين.

ثم جاءت مداخلات أعضاء الرابطة، لتضيف أشياء مهمة إلى حياة الدكتور جرار، فقد أضاءت بعض الشهادات والمداخلات جوانب من حياة الرجل، ويا ليت كل الأحاديث كانت حول شخصية الدكتور جرار، وشمائله، وسلوكه، ودعوته.

- 2 -

عرفت الأخ الحبيب مأمون جرار –هكذا.. حاف.. من دون لقب دكتور الذي يتخاطب به المتخاطبون في بلادنا-.. عرفته منذ ثلاث عشرة سنة.. جالسته.. حاورته.. زرته في بيته.. أكلت من زاده.. ساهرته.. سافرنا معاً.. وكان –في كل ما ذكرت- مثال الأخ، الأديب، العالم، المتواضع، اللطيف، المحب، الودود، الكريم المعشر، الدمث الأخلاق، الموطأ الأكناف، يحاور بهدوء، وبعلم ووعي، ويحترم محاوره، وجلساءه، ويكسب قلوبهم بروح الأخوّة التي تسكن قلبه، وتحرّكه تجاه من يخاطبه..

رأيته يقبل على إخوانه بحب، وتواضع، ويتحدث مع الكبير والصغير باحترام، ويجادل بإخلاص وود، ولا يتعالى بلقب، أو شهادة مهما كبرت، ولا بمنصب، ولا بكتب، ولا يخاصم من يخالفه برأي، ولا يرتكب حماقة مع من يحاول الإساءة إليه.. فهو ليس بالخصِم في حواره، بل يلقي كلمته ورأيه، ويتركهما يفعلان فعلهما فيمن يحاور، ولو بعد حين.

أشهد أنه على خلق كريم، وأن سلوكه هذا هو سلوك الدعاة أصحاب الرسالات..

ولعل تنَحيّه عن رئاسة المكتب الإقليمي قبل شهرين، خير دليل على صدق ما أقول، على الرغم من إلحاح عدد من الإخوة أعضاء الرابطة عليه ليستمر، ولو أراد الاستمرار، لجدّدنا انتخابه بلا منازع، ألححنا عليه، وأصرّ على التنحّي، ثم كتب مقالاً حول تنحيه، نُشِرَ افتتاحية في موقع رابطة أدباء الشام التي تعتز بانتسابه إليها.

وفعله هذا واكب فعل الأستاذ المحامي داعية حقوق الإنسان في سورية، الأستاذ الكبير هيثم المالح، الذي أبى أن يجدّد له في منظمته السورية، وتخلى عن منصبه، برغم إلحاح زملائه عليه.. ترك المنصب والإدارة، وترك للإدارة الجديدة بيته، وهواتفه، وأثاثه، وكان بيته الكبير هذا مقراً لمنظمته.. ترك كل ذلك، وهو يشعر بسعادة غامرة، وبقي جندياً يناضل من أجل استعادة المواطن السوري حقوقه التي سلبه منها نظام بائس تعيس عفن، سيكون مثواه الأخير القريب على مزابل التاريخ..

ونجمة ثالثة في هذا الظلام الحالك، هو تخلي رئيس حزب الشعب الديمقراطي (السوري) عن منصب الأمين الأول له، ليكون جندياً مناضلاً في صفوف حزبه.. أعني بذلك: الأستاذ الكبير، عدو الاستبداد والديكتاتوريات والجمهوريات الوراثية المغتصبة، المناضل رياض الترك.

ثلاثة أقمار حادت عن مسارات الزعماء والقادة في بلاد العرب، لتعود إلى مسارها الصحيح السليم من الانحراف المتمثل في التشبّث بالمنصب، ولو أدى ذلك إلى خراب الأوطان.

تحية للأديب الشاعر الباحث الدكتور مأمون فريز جرار.

وتحية للمحامي الكبير هيثم المالح.

وتحية للمناضل الكبير الأستاذ رياض الترك.

وألف تحية لكل من يتخلى عن منصبه من أجل مصلحة شعبه ووطنه وأمته وقيمه.