عدالة ما يجري في القدس
بدون مؤاخذة
عدالة ما يجري في القدس
جميل السلحوت
اخلاء البيوت العربية بواسطة الشرطة الاسرائيلية في الشيخ جراح والتي كان اخرها اخلاء عائلتي حجازي والغاوي، وقبلها عائلة الكرد، وسيتبعها عشرات البيوت الاخرى، والقاء قاطني هذه البيوت في الشارع بحجة ان الارض المقامة عليها يملكها يهود قبل العام 1948، أيّ قبل قيام دولة اسرائيل لا يشكل خرقا لحقوق الانسان فحسب، بل يتعدى ذلك ليكشف الوجه الحقيقي للفكر الصهيوني هذا الوجه الذي ينضح بالعنصرية في مجالات عدة . فلو افترضنا جدلا ان الادعاء الاسرائيلي صحيح، وان القضاء الاسرائيلي معني باعادة الحق الى اصحابه، فإن على هذا القضاء، وعلى الحكومة الاسرائيلية التي تزعم انها ديمقراطية، ويحلو للعالم الغربي ان يصف اسرائيل بــ (واحة الديمقراطية في الشرق الاوسط) ان يعيد الى المقدسيين الفلسطينيين عشرة آلاف عقار موجودة في القدس الغربية الخاضعة للسيادة الاسرائيلية منذ قيام دولة اسرائيل، وكثير من هذه البيوت لا تزال الكتابة العربية مثل(هذا من فضل ربي)أو( أقيم هذا البيت عام ..... لصاحبه ....) موجودة حتى الآن، ولا يزال الاسرائيليون يطلقون عليها اسم"(بيت عربي)"وكثيرون من مالكي هذه البيوت لا يزالون يقيمون في القدس الشرقية، ويمنعون حتى من دخول عقاراتهم ليبكوا ذكرياتهم الجميلة فيها .
وقادة اسرائيل الذين يُجن جنونهم عندما يسمعون بحق العودة للاجئين الفلسطينيين الذين شردوا من ديارهم في نكبة العام 1948، ووصل بهم الغلو في الباطل الى اصدار قوانين لمنع الفلسطينيين الذين عضوا على تراب وطنهم بالنواجذ، وبقوا في ديارهم داخل دولة اسرائيل من استعمال كلمة (النكبة)أو احياء ذكراها، يعلمون علم اليقين ان عشرات آلاف العقارات العربية لا تزال قائمة في المدن والبلدات داخل اسرائيل، ومالكوها الحقيقيون يقطنون في مخيمات البؤس والحرمان في الضفة الغربية وقطاع غزة، عدا عمن شردوا في اصقاع الارض، وعدا عن اكثر من 520 قرية وتجمع سكاني تم محوها عن وجه الارض بفضل جبروت السياسة الاسرائيلية، كما ان اكثر الاحصاءات انصافا لليهود الاسرائيليين تفيد ان اسرائيل قامت على ارض لا يملك فيها اليهود اكثر من 8% وان لهذه الارض شعب ومالكون بشكل شخصي، وان مقولة (ارض بلا شعب لشعب بلا ارض) هي مقولة كاذبة، ما عادت تنطلي على احد .
ونحن نقول وبالفم الملآن بأن من حق أيّ يهودي في اسرائيل أو خارجها ان يتصرف بأملاكه وعقاراته مثله مثل بقية البشر، سواء كانت هذه العقارات في فلسطين أو الدول العربية أوغيرها شريطة ان يحق لغيرهم ما يحق لهم،فنحن لم نكن يوما ضد اليهود كيهود،والتاريخ يشهد أن العرب والمسلمين احتضنوا اليهود في الأندلس-اسبانيا- عندما اضطهدهم الأوروبيون،لكننا ضد المستوطنين الذين يحتلون أرضنا ويستوطنونها تحت حماية الدبابات والعسكر.
واعني هنا انه ما دام لليهود حق بالتصرف بعقاراتهم التي توارثوها عن آبائهم في فلسطين أو غيرها، فإن من حق الفلسطينيين ايضا ان يسكنوا بيوتهم التي بنوها بعرق جبينهم وبأموالهم على ارضهم التي توارثوها عن آبائهم واجدادهم هم الآخرون.
عندها سنبصم بالعشرة بأن اسرائيل دول غير عنصرية، وان الفكر الصهيوني غير عنصري وان القضاء الاسرائيلي قضاء نزيه .
ولو حددنا الحديث بهذا الخصوص على القدس وحدها، فإن (الديمقراطية الاسرائيلية) التي تسمح لأيّ يهودي في العالم بما يسمى حق العودة، والسكن في القدس وغيرها، وصادرت ما يزيد عن 35% من مساحة القدس الشرقية باسم ( مصلحة الجمهور) كانت للبناء الاستيطاني اليهودي الذي كان صفرا في حزيران 1967 عندما وقعت المدينة تحت الاحتلال، وكان عدد اليهود صفرا ايضا في المدينة، فأصبح البناء الاستيطاني يصل الى حوالي 60 الف وحدة سكنية يقطنها حوالي ربع مليون مستوطن في نفس الوقت الذي تمنع فيه البناء العربي، وتضع عليه شروطا تعجيزية لمنع زيادته بما يتناسب مع الزيادة الطبيعية للسكان، وتمارس ايضا سياسة التطهير العرقي ضد المقدسيين الفلسطينيين .
ان سياسة الاستيطان في الاراضي العربية المحتلة في حزيران 1967 وفي مقدمتها جوهرتها القدس الشريف مرفوضة جملة وتفصيلا لمخالفتها للاعراف والقوانين الدولية، وفي مقدمتها اتفاقات جنيف الرابعة للعام 1949 بخصوص الاراضي التي تقع تحت الاحتلال العسكري، ومخالفة لحقوق الانسان ولقرارات مجلس الامن الدولي .
من هنا فإن السلطة الفلسطينية والدول العربية وجامعة الدول العربية مطالبة وبالسرعة الممكنة بتقديم طلب عاجل لمجلس الأمن الدولي يمنع سياسة اخلاء البيوت العربية في الشيخ جراح وحي البستان في سلوان، وفضح سياسة الاستيطان العنصري، واستصدار قرار بهذا الخصوص تحت البند السابع لمجلس الامن الدولي. مستفيدين بذلك من توجهات ادارة الرئيس الامريكي باراك اوباما لاقامة سلام عادل ودائم في منطقة الشرق الاوسط، مع التذكير بان القدس هي مفتاح السلام تماما مثلما هي مفتاح الحرب، وان الحديث عن دولة فلسطينية بدون القدس الشريف مجرد هراء لا ينطبق على ارض الواقع، خصوصا وان لا احد غير الفلسطينيين مؤهل للحفاظ على الأماكن المقدسة للديانات الاخرى، وقد اثبتوا ذلك عبر التاريخ.