(المفقودون) من أدباء الشام..
(المفقودون) من أدباء الشام..
عبد الله زنجير
كان أديب العربية الأكبر الشيخ علي الطنطاوي –رحمه الله- يقول: لو فتح لي طريق الشام في الظهر فلن أنتظر إلى العصر! ورحل علي الطنطاوي منذ سنين حزين النفس كسير الخاطر، دون أن يرى دمشقه الفيحاء التي أحبها أكثر من عيونه. وكذلك قضى عمر بهاء الدين الأميري –شاعر الإنسانية المؤمنة- والفقيه الأديب مصطفى الزرقا، والقصاص الرائع عبد الرحمن رأفت الباشا، والأديب محمد حسن بريغش، والشاعر أحمد سليمان الأحمد، والأديب الساخر شريف الراس، والشاعر عبد القادر حداد، والشاعر منذر الشعار، والشاعر عبد الرحمن الصوفي والمفكر الممتاز محمد المبارك، وعشرات غيرهم حرموا من وطنهم أحياءً وأمواتاً..
وفي عهد الوحدة والحرية والاشتراكية، قضى في المنفى الاختياري الشاعر الفطحل عمر أبو ريشة والشاعر نزار قباني والأديب الكبير حسيب كيالي و الكاتبة الأديبة عائدة الجراح وغيرهم وما يزال كثير من وجوه الحركة الثقافية والفكرية والفنية، يحيون في فضاء المنافي مثل الأديب المحقق صلاح الدين المنجد وغادة السمان (معظم وقتها) وعبد الحميد حاج خضر وصبحي الحديدي ووائل مرزا وعبد الكريم البكار وخالص جلبي.. ناهيك عمن نجا بنفسه من التصفية الجسدية كالأستاذ الأديب عبد الله الطنطاوي –رئيس رابطة أدباء الشام- والأديب محمد الحسناوي والأديب محيي الدين اللاذقاني والأديب عبد القدوس أبو صالح والشاعر فيصل بن محمد الحجي، والشاعر خالد البيطار، ومحمود السيد الدغيم وعماد زكي والشاعر محمد وليد والشاعر سليم عبد القادر والشاعر يحيى الحاج يحيى والشاعر عبد الله عيسى السلامة والشاعر وليد قصاب والشاعر ضياء الدين الصابوني والشاعر علي أبو النصر الرشيد إلخ..
ورغم آلام المسيرة، وامتصاص المصاعب والمتاعب لأعمار شرفاء الأدب وأدباء الشرف. إلا أن ما خفي عن (المفقودين) من أدباء الشام الذين أدخلوا أقباء وقبور الجور والمجهول، واختلط دمهم ومدادهم وانقطع حسيسهم منذ عشرات السنين فشيء أكبر من معايير العقل والتصديق، في عصر العولمة وحقوق الإنسان والماشية والألفية الثالثة.. والذين أعني هنا ليسوا وحدهم من طوته جدران الجمر والتجني إنهم غيض من فيض الألوف المؤلفة شباباً وشيباً (استضافتهم) أجهزة الأسى والأسيد، وقدمتهم –على طريقتها القصابية- قرابين بشرية من أجل (الوطن)!!!
ويأتي في طليعة هؤلاء كاتب الأطفال (عبد الودود يوسف) الذي قدم للمكتبة العربية "حكايات حارثة" ورواية "كانوا همجاً" ورواية (ثورة النساء) وغيرها، وكان يكتب أحياناً باسم (جلال العالم) وهو مفتقد داخل السجون السورية منذ بداية الثمانينيات. وقد ترك وراءه عائلة كليمة وعطاءً أدبياً شفيفاً، ما زال متداولاً حتى الآن بعيداً عن مرأى صاحبه. وكذلك هناك الأديب الكبير (إبراهيم العاصي) صاحب المجموعات القصصية العديدة: سلة الرمان وولهان والمتفرسون، وحادثة في شارع الحرية. ويعتقد بأنه قُتل على أيدي سرايا الدفاع في سجن تدمر العسكري (1980م) وهو من أرق الأدباء السوريين وأكثرهم إبداعاً وتنشر كتبه حالياً دار السلام في القاهرة. وأيضاً افتقدت الساحة الأدبية ذلك الكاتب المؤرخ (محمد عثمان جمال) الذي اشتهرت دراسته عن ثورة الزنج، وكتابه عن عبد الله بن المبارك، وكان يعمل في مجال التدريس بمدينة حلب، واختفى قلمه وأثره في بداية الثمانينيات. ومنذ ربع قرن انقطعت أخبار المحقق الأديب (عبد الرحمن الفاخوري) وهو ممن أخرج عدداً من الكتب القيمة. وحالته تماثل ما حصل مع الشاعر (أحمد كيالي) والشاعر (محمد صالح نازي) الذي يرجح اغتياله.. ومن دوحة الفن هناك (عبد القادر ناصر) الذي كان من أجمل الحناجر الحلبية وواحد من أعضاء فرقة أبي الجود، وهو ممثل موهوب وكوميدي من الطراز الرفيع. ولا ريب أن لدى اللجنة السورية لحقوق الإنسان ومنظمات الرأي والضمير، معرفة ومعلومات كثيرة حول هذا الملف الموروث وضحاياه المروعين.
إننا لا نتعاطى مع السياسة إلا بالقدر الذي تتعاطاه معنا، وقد آن أوان الكشف عن مصير هؤلاء المفقودين وغيرهم من أدباء الشام وأبناء الشام والله من وراء القصد.