سَقَطَت بغداد .. وصَمَدَت الفلّوجة !..
سَقَطَت بغداد .. وصَمَدَت الفلّوجة !..
الفلوجة !.. هذه القطرة في بحر العالم العربيّ والإسلاميّ، قهرت العدوّ الذي لا يُقهر، وأعادت صياغة تاريخنا الحديث بِسِفْرٍ من دمٍ ونور، وحروفٍ من ملاحم البطولة والكرامة !..
فلوجة العزّ .. قاومت الجيش المدجّج بالحقد والسلاح الحديث وأدوات
القتل المعاصرة .. قاومت حتى الرمق الأخير، لكنه رَمَق العدوّ هذه المرة !.. الذي
هُزِمَ صاغراً مُهاناً أمام بأس المجاهدين الحقيقيين، فَشَاهَتْ وجوه الطواويس
المندحرة، التي كانت بالأمس
تنفش ريشها زهوّاً باحتلال عاصمة الخلافة، واستجْدَت الهدنةَ من الفلوجة، ريثما تلتقط تلك الطواويس أنفاسها المتبقّية، لِلَمْلَمَةِ هزيمتها المنكَرَة وفضيحتها المجلجِلة، ولكسب بعض الوقت اللازم للفرار من الجحيم الفلّوجيّ !..
فلوجة الإباء .. صمدت شامخةً، فدحرت جيوشَ الإمبراطورية العظمى في ستة أيام، هي نفس المدة التي اندحرت خلالها جيوش الزيف العربية في حزيران الأسْوَد عام سبعةٍ وستين وتسع مئةٍ وألف !..
فلوجة الكرامة .. حقّقت أسطورة (التوازن الاستراتيجيّ) أمام العدوّ، الذي قَدِمَ لاغتيال حاضرنا، وصياغة مستقبلنا كما لو كنا شِياهاً لا نصلح إلا للذبح والسلخ، فالتوازن الذي عَرَفَته الفلوجة جيداً أساسه : التوازن في الرعب !..
فلّوجة الكبرياء .. دخلت التاريخ من بابه الواسع، بل دخل التاريخ -تاريخنا- من بوّابتها، فلم تستسلم بحجة تكاثر أعداد شهدائها وجرحاها، ولم تخضع بحجة الحصار والدمار وأشلاء نسائها وأطفالها، ولم تسقط بحجة التباين الهائل مع العدوّ في ميزان القوّة المادية .. بل أسقطت أوراقَ (التين) التي تختفي وراءها الجيوش العربية والإسلامية المكدّسة !.. وكبّدت العدوّ الغاشم خسائر لم يتكبّدها بجيوش الزيف والاستخذاء، التي ادّخرها المنهزمون لقمعنا وسحقنا، ولتمزيق حاضرنا ومستقبلنا، ولتكميم أفواهنا وقتل مروءتنا، ولِهَتك قِيَمِنا وأخلاقنا .. باسم تحريرنا !..
فلوجة الجهاد .. فضحت نواطير أميركة وحلفاءها العلنيّين والسريّين !.. ووقّعت بالدم والنار على موت مروءة الأنظمة العربية ووفاة نخوتها، مع موت جيوشها التي ملأت الشوارع والساحات في المدن والقرى العربية، واتخذت مواقعها فوق صدورنا وأفواهنا، لقمعنا وإسكاتنا وقهرنا .. بدلاً من مَلء سوح الوغى والجهاد، لدفع الظلم والذلّ عن كاهل أمّتنا وحاضرنا ومستقبلنا !..
الفلّوجة بذرة العزّ والتحرير .. ستنبت بإذن الله، وستُزهر جهاداً ومقاومة، وستُثمر إصراراً عظيماً على نهج أنّ الحقوق تُنْتَزَع -بالجهاد والشهادة والدم والروح- ولا تُسْتَجْدَى !..
بغداد عاصمة المنصور والرشيد .. أُسقِطَت بالديكتاتورية والقهر والبطش والاستبداد وسياسات الإقصاء، وبالحكم بغير ما أنزل الله .. قبل أن تُسقَطَ وتُغتَصَبَ في التاسع من نيسان 2003م بدبّابتَيْن غازيتَيْن تزهوان فوق (جسر الجمهورية)!.. لكنّ فلّوجة الإسلام والحرية الحقيقية أعادت عقارب الساعة إلى الوراء رغماً عنها، بالجهاد والاستشهاد والإيمان وينابيع الدم الدافقة، فغسلت العار الذي لا يُغسَل إلا بالدم !.. فهل يُستَوْعَب الدرس يا حكّام العرب والمسلمين، ويا أمّة المليارَيْن التي وُلِدَت اليوم هناك .. في الفلوجة الأبيّة ؟!..
(الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً)
(النساء:76)
12 من نيسان 2004م
بقلم : الدكتور محمد بسام يوسف