مرجعية الحياة في أدب الحركة الإصلاحية
مرجعية الحياة
في أدب الحركة الإصلاحية
من المعلوم أن الإسلام – بمصادره الأساسية – هو المرجعية الأولى للحركة الإصلاحية الإسلاميـة في العصر الحديث : ( من قرآن كريم وحديث شريف ، وما يشتق منهما ، أو يمت إليهما بسبب : من فقه واجتهاد وقياس وإجماع واستحسان ) ، لكن هذه المصادر يلتقي عليها رجال الإصلاح وغير رجال الإصلاح من بقية علماء المسلمين بدرجات ، إنما الذي ينفرد به رجال الحركة الإصلاحية ، هو تعاملهم مع الحياة ( المجتمـع والدولة والبيئة ...) أخذاً وعطاءً ، لأن سرّ حركتهم هو التأثير في الحياة ، من خلال تطبيق الشريعة السمحاء ، وما أطلقوا عليه مصطلح التجديد الديني ، وهو مصطلح شرعي ( يجدِّد لكم دينكم ) .
وعلاقة الداعية المسلم بالحياة – لا سيما القائد – علاقة خصبة ، فيها درجات متنوعة متفاوتة متدرجة من حيث الأخذ والعطاء . ربما لا يستغرب أن يكون العطاء أمراً مفروغاً منه ، لأنه حركة من النصوص إلى الحياة ، أما الأخذ من الحياة – وهي كتاب الله غير المسطور – فهو المستبعد نظرياً ، لأن الحياة في الظاهر ، لا تعدو أن تكون في إحدى حالتين : الأولى أنها مادة خام محايدة ، تحتاج للتشكيل ، أو هي منحرفة عن الفطرة والسنن ، فهي تحتاج للإصلاح أو إعادة التشكيل ، أي في حاجة لمن يعطيها الهدف واللون والطعم والنكهة .
إن الواقع العملي للحياة يعكس لنا أخذ الدعاة من الحياة ( المجتمع والدولة والبيئة ...) دروساً ، تفيد في حركتهم الإصلاحية لهذه الحياة ، ولهذا جعل الدكتور مصطفى السباعي عنوان أحد كتبه " هكذا علمتني الحياة " ، أي الحياة بالنسبة إليه ولأمثاله ، لم تكن ميدان زراعة وفلاحة وبذر للنصوص في صدر الحياة ، بل كانت الحياة نفسها أيضاً حصاداً ، وحصيلة لتفاعل النصوص والعقول والحياة بمفرداتها . لذلك صرّح السباعي – غير هيّاب – بأن الحياة كانت له بمثابة المدرسة ، يتلقى فيها ( التلميذ ) الإنسان الحصيف العلم والمعرفة ، كما يتلقاها من الأساتذة والمعلمين . وبذلك يتفاوت نجاح رجال الإصلاح في التعاطي مع الحياة بقدر تفاوت الخريجين في الميادين الأخرى ، تمثيلاً .
هذا المفهوم في الفكر الإصلاحي ( معلوم ) و( مجهول ) . هو معلوم لدى رجال الحركة الإصلاحية ، لأنهم مارسوه ميدانياً - وقديماً كان للشافعي رضي الله عنه مذهبان : قديم وجديد – وهو مجهول لدى الآخرين الذين لا يتخيلون الإصلاح الإسلامي إلا تحكيماً للنصوص الشرعية ميكانيكياً ، بصرف النظر عن الحياة ( الإنسان والزمان والمكان ...) ، وليس الأمر كذلك على الإطلاق .
فكيف تجلت هذه المرجعية للحياة في أدب الدكتور السباعي : مفهوماً ومضمونات وأسلوب تعبير ومواقف حركية ؟
محمد الحسناوي