القصة السورية بخير.. لكن!
تحت عنوان : (المهرجان الثالث للقصة القصيرة السورية: عنوان مثير وحضور باهت وقصص تحبو) نشرت ( القدس العربي) في 9/10/2003 تقريراً لمراسلها أنور بدر من دمشق ، جاء فيه تساؤل صارخ : ( فلماذا نقيم مهرجاناً للقصة القصيرة يشارك فيه خمسة عشر قاصاً ، ويحضره من الجمهور عدد أقل من عدد المشاركين ؟ لماذا نقيم مهرجاناً للقصة القصيرة ، ولا يقدم فيه المشاركون جديداً في فن القصة أو موضوعاتها)
أما في تعليل هذه المأساة ، فيقول صاحب التقرير : ( يبدو أن رؤية علي عقلة عرسان – أي رئيس اتحاد الكتاب – حكمت نماذج القصة المشاركة في المهرجان إلى حدّ بعيد ، ولا أريد القول : إنها حكمت ، أو كانت سبب غياب الجمهور ، وضعف النماذج والقصص المقدمة والتي بدت أنها بعد تجارب ناجحة ل...وسواهم ما زالت تحبو على مدارج اتحاد الكتاب العرب بدمشق وفي مطبوعاته ) .
هل هذه – حقيقةً – هي صورة القصة القصيرة السورية ؟ وهل رئيس اتحاد الكتاب وحده هو وراء المأساة ؟
في دراسة لي سابقة للكتاب الحادي والثلاثين ، من سلسلة كتاب مجلة ( العربي) ، الذي صدر بعنوان : ( القصة العربية : أصوات رؤى جديدة ) ، ضم عشرين قصة قصيرة مختارة من مسابقة( العربي) لعام 1996/1997، عشر منها نالت جوائز ...تبين لي أن ( أول ما تقوله هذه القصص : أن القصة السورية فن متقدم في سورية الأدب ، لا لأن الجائزة الأولى والرابعة والسابعة ، كانت من نصيب كتاب سوريين وحسب ! بل لأن نسبة القصص الفائزة والمختارة للسوريين أكبر من أي قطر عربي آخر ، حتى القطر المصري ، الذي هو أكبر قطر عربي ، وأسبق قطر عربي في فن القصة بالذات . زد على ذلك أن القصص العشرين مختارة من ثلاثة آلاف وست مئة قصة ، تقدمت للمسابقة ) وأضيف : إن مسابقة ( العربي) مهرجان حقيقي للقصة القصيرة ، لا على مستوى سورية ، بل على مستوى العالم العربي . وشتان ما مهرجان ومهرجان!!
لنقترب من الواقع أكثر . يقول أحد أعلام القصة السورية فاضل السباعي : ( بعد أن رُشِّحت إحدى قصصي للنشر في مجلة شهرية – يقصد مجلة المعرفة السورية – سُحِبت من قبل من هو فوق رئيس التحرير ، لأنهم وجدوها فظة ، وحيل بينها وبين أن تكتحل عيناها بالنور في أحضان مجلة في وطني ) ( انظر المقابلة : الكاتب العربي في ظل السلطة : فاضل السباعي نموذجاً – حوار فيليب سايار – مجلة سطور القاهرية – ع69- آب 2002) . تتمة القصة أن القصة (المسحوبة) : ( أحلام العاشقين ) نشرت بعد ذلك في مجلة (العربي) ع538 – أيلول 2003 .
لقد أراد مراسل القدس العربي من دمشق قول الحقيقة ، لكنه لم يستطع أن يقولها كاملة ، فقد وقف عند مسؤولية رئيس اتحاد الكتاب ، ويبدو أن هذا هو السقف المسموح به حالياً للمراسلين ، أما الكاتب الدكتور عبد الرزاق عيد الذي ليس عضواً في الاتحاد ، وليس لديه موقع أو وظيفة أو أي عمل ليضغط عليه من خلاله رئيس الاتحاد ، وكان ولا يزال – على حدّ قوله ( لا أحمل سوى أغلالي ) .. فقد مرّ موضوع انتقاده الصريح لرواية عقلة عرسان بسلام .. هذا الكاتب لا يقف عند شخص رئيس الاتحاد عرسان ( الذي ترأس الاتحاد ربع قرن ) ، بل يعمد إلى تشريح الاتحاد نفسه ، فيقول : ( ففي مراكز اتحاد الكتاب في كل المحافظات السورية التي يطوف عليها الاتحاديون – هاتفين منشدين – لا يجدون حتى رفاقهم في الاتحاد ، لأنه نادراً ما يتجاوز الحضور العشرة ، وذلك لأن كل الدوائر الرسمية – تذكَّرْ أنه يتحدث عن اتحاد أدباء شعبي – عندنا متشابهة بمشبه واحد هو – الدائرة الأمنية – فهي ذات والباقي صفة ، الدائرة الأمنية هي الموناد- الجوهر، وكل الدوائر الأخرى ليست إلا صفات لذاتها الجوهرية !) ( جريدة النهار 6/10/2003 ) فهناك ما هو وراء الاتحاد ورئيس الاتحاد ، وما وراء كل مؤسسات الدولة والمجتمع ! هناك شيء يلفت النظر ، ما هو ؟ يضيف عيد قائلا : ( لقد سبق لي في مقال سابق أن وصفت القوى الخفية القابعة وراء مظاهر دولة الظاهر عندنا ، بأنها تعبير عن تحالف طغم ريفية ، وحثالات مدينية ، تتحدد صلتها مع العالم حسياً عبر ال ق ... بالدلالة الفرويدية ) . مثل هذا الكاتب ومثل هذا التحليل يغريانك بالمتابعة ، لكننا يهمنا الإبداع الأدبي ، وآلية الإجهاز عليه ، فيوضح ذلك بحديثه عن خصوصية سورية في تميز البنية التسلطية عن الدولة الأمنية عربياً : ( هي الخجل من تمثيل الشعب ، لأنهم يعتبرون ذلك إذعاناً وانصياعاً للمجتمع ، على قاعدة النظام العسكري الذي لا يتصور فيه الجنرال وهو ينصاع إلى أوامر الجنود ) ، وهذا يفسر لنا استحالة أن ينضم إلى هذا الاتحاد كاتب قادر على أن يرتفع بقامته الكتابية فوق مستوى جرائد وزارة الإعلام ، هذه الوزارة التي تشكل مع اتحاد( الكتاب) توأماً نضالياً ، كما يفسر لنا هجرة الأقلام والأدمغة السورية إلى الكويت والخليج والجهات الأربع ! إلا الوطن !!
أما استنطاق فاضل السباعي أحد أعلام القصة السورية في المقابلة التي أشرنا إليها على صفحات مجلة ( سطور ) ، فلن نفاجأ بأن إبداعات هذا الرجل قد أعيد طبعها مرات ، وترجمت إلى اللغات الأجنبية كالفرنسية والروسية والإسبانية والألمانية وحتى الأرمنية والألبانية والصربو – كرواتية ، ولكنه ولكنها – كما قال بعد أن نزل على رغبة طلاب جامعة حلب ، وقرأ لهم عام 1980 قصة من قصصه - ( أقول : طلاب كان موكولاً إليهم المراقبة ، أخبَروا بما سمعوا، وبدلاً من أن أتوجه، ذلك المساء ، برفقة عميد الكلية وعدد من الأساتذة ، إلى وليمة عشاء ، اقتادني طلاب من اتحاد الطلبة في الجامعة – أحدهم ابن صديق لي !- إلى جهة أمنية ما ، أُلقيت في زنزانة منفردة . ومن حسن حظي أني وقعت في أيدي أمنيين تابعين لوزارة الداخلية ) .
إذًا : إن القصة السورية بخير ، دليل ذلك أنها خارج سورية تتنفس ، لكنها داخل سورية ( تتعفّس ).
( لطفاً في موضع آخر من هذا الموقع تجد نص المقابلة مع فاضل السباعي ، كما تجد مقالة الكاتب ( ست قصص من سورية ) حول كتاب( العربي ) المشار إليه ، وكذلك تقرير المراسل من دمشق ، أما قصة السباعي المهاجرة إلى الكويت فسننشرها في أقرب فرصة بإذن الله ) .
محمد الحسناوي