أدب المرأة
ما حال أدب المرأة عندنا؟ الجواب: هو حال المرأة نفسه. إذا كانت المرأة عندنا بخير، فإن أدبها بخير أيضاً، والعكس بالعكس.
قبل ظهور الإسلام كانت المرأة مضطهدة، ولم يكن يرى منها إلا وجه الجمال الظاهري، فكان الغزل والتشبيب.. إلى جوار الوأد والاضطهاد على حد سواء. ولما جاء الإسلام بقيمه الإنسانية الرفيعة، وبعدالته الشاملة، وبتكريم المرأة، وإحلالها المكانة اللائقة : فـي القرآن الكريم صدِّيقات (مريم، امرأة فرعون)، وفي الواقع زوجات الرسول والصحابيات، وفي العصور الإسلامية ظهرت الأديبات والشاعرات والعالمات وحتى الأميرات الحاكمات من سكينة بنت الحسين إلى ولادة إلى شجرة الدر.
على أن السمة الغالبة على أدب المرأة القديم.. سمة الحزن والرثاء الذي افتتحته الشاعرة الخنساء، ثم أدب الزهد والتصوّف الذي افتتحته المتبتلة رابعة العدوية، أي لم تسجل شؤون الحياة العامة، شأن الأدب العام، فقلما نسمع صدى للمرأة الأم أو البنت أو الأخت أو الزوجة أو الطفلة، فإما العشيقة أو الصديقة.
ودارت الأيام، واصطدم أدبنا الحديث بأدب الغرب المستعمر، وبالترجمات الأدبية عن الأمم الأخرى، ولما كان تصور الأدب الغربي للمرأة لا يختلف كثيراً عن تصورات الجاهليات الأولى، إلا بمزيد من الانفلات الجنسي وما يسمى (الأدب المكشوف).. انعكس ذلك كله على أدب المرأة المغزو لدينا، سواء ما يكتبه الرجال أو النساء من بني جلدتنا، وأصبح شعر عمر بن أبي ربيعة وأبي نواس تراثاً محتشماً أمام أدب الجنس الجديد.
وللأمانة نذكر ظهور أديبات جادات، التفتن إلى شؤون الحياة الأخرى للمرأة والمجتمع وحتى السياسة، فكانت باحثة البادية وبنت الشاطئ الدكتورة عائشة عبد الرحمن ونديمة المنقاري وأمينة قطب ونازك الملائكة، وغيرهن كثيرات ماجدات فضليات.
ولعل أبرز ظاهرة في أدب المرأة.. ظاهرة العودة إلى الينابيع الأولى، ظاهرة التمرد على الوافدات الغربية والتبعية العمياء للثقافات والآداب الأدبية. وإذا كانت الدكتورة عائشة عبد الرحمن مثلاً في الأدب السردي والبحث للكاتبات العائدات إلى ينابيع الإسلام، فكتبت عن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، كما كتبت (التفسير البياني) للقرآن الكريم، فإن الشاعرة نازك الملائكة مثل آخر في ميدان الشعر، جربت مرارة التغرب والخواء الروحي لدرجة اليأس والقنوط، ثم عادت إلى الإيمان بالله تعالى، وانحازت للثقافة الإسلامية، لاسيما القرآن الكريم شقيق روحها، كما حذرت المرأة العربية من تقليد المرأة الأوروبية على صفحات مجلة (الآداب) ومن مخاطر الأدب الوجودي الانحلالي على الأمة في مؤتمر أدباء العرب قبيل نكسة حزيران 1967م، وأصدرت ديوان شعرها الأخير الذي يفيض بتراتيل وتسبيحات روحانية مؤمنة صافية:
يا قبة الصخرةْ
يا ذِكرُ، يا ترتيل، يا حضرةْ
متى نصلّي فيكِ، هل ستُنْبِتُ البِذرةْ؟
هل نعبرُ المسالكَ الوَعْرةْ؟
ترمقُنا ذئابُها بالنظرةِ الشزرةْ
محمد الحسناوي