العراق عراقنا والأهل أهلنا
نضّر الله من نصر
زهير سالم*
بين شامت وصامت تمر بنا أحداث المشهد العراقي ، حيث في دارة الرشيد والمأمون والمعتصم يعرف كل صاحب إرب فاسد إربه ، ويجد عليه أعواناً من داخل العراق ومن خارجه أيضاً ، من الدول والحكومات والمنظمات والمؤسسات والأفراد ؛ بينما عصبة الحق من أهل العراق الصادقين الخلص يمسكون بحقهم بعروق الأكف التي يقبضون بها على الجمر بين شامت ومعرض وصامت داخل العراق وخارجه أيضاً !!
من السهل جداً على الفقيه والمفتي وصاحب القرار أن يقول كلمته في خير بيّن أو شر بيّن ؛ ولكن الفتوى الحقيقية هي تلك التي تأتيك من فقيه ، حين تتشابك المداخل والمخارج ، والخيار السياسي أو الموقف السياسي كما يستند على النص يقوم أيضاً على قراءة الواقع ، قراءة تقدر في الصيرورة النهائية أمر المصالح والمفاسد ، وتمضي بالعزيمة على الرشد .
والفتوى في أمر السياسة ، التي تعني أحياناً أمر الدين والنفوس والأعراض والهوية ، في إطار جماعي مصيري ؛ ليست فتوى ثابتة ساكنة تصاغ في فراغ أو تنتزع من بطون الكتب ، كالفتوى في نصاب الزكاة أو نواقض الوضوء أو مفسدات الصلاة ؛ على ما يعتري هذه الفتاوى ، على أهميتها ، من تغيرات تصاحب مقتضى الحال . الفتوى السياسية التي تتأسس أصلاً على المعطى الشرعي الأولي تُستنبط أيضاً وبطريق أولي من الواقع العام ، من المعطى الاستراتيجي واحتمالاته وتقديرات الحال وتوقعات المآل . بنهجية الفقه هذه عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على غطفان ثلث ثمار المدينة عشية الخندق والأحزاب ، وبالنهجية المقابلة كان عمر رضي الله عنه يتساءل يوم الحديبية : فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟! إنه القصور عن ربط المتحول بالثابت الذي طالما تسبب لأمة الإسلام بالنكبات .
بإشفاق وقلق كبير نرقب ما يجري على أرض العراق ، نتابع اختلاط الأوراق ، نتخوف من اندفاعات الغرور ومن زخارف العدميين الذين يظنون أن اللام والألف هي عناوين الورع والتقوى والبطولة والصمود أناس يغيب عنهم فقه عبد الله بن حذافة وصورة ابن الخطاب وقد جعل حقاً على كل من حضر من المسلمين أن يقبل رأسه .
المخاطر التي تحيط بالمشهد العراقي ليست حاضرة في أذهان الكثيرين المناط بهم شرعا وسياسة أمر نصرة العراق وأهله ، وهي إن حضرت لم تقدر حق قدرها ، مما يغشي على الأبصار والعقول . وبينما لا نملك لأهلنا في العراق غير خالص الدعاء ، ندعو الذين يخذلونهم أن يخذّلوا عنهم وذلك ابسط معاني النصرة التي يقتضيها المقام .
في مقولة للإمام أحمد يوم محنته : جاءني التثبيط من أهل الفقه والدين ( !!! ) وجاءني التثبيت من العيار والشطار !!
مقام لا يمكن للمرء إلا أن ينشد فيه :
يقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن
أهلنا في العراق ؛ اللهم سدد خطاهم وثبت أقدامهم
(*) مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية
.