المساحات المشتركة.. بين المجرمين والضحايا
المساحات المشتركة..
بين المجرمين والضحايا !
ماجد زاهد الشيباني
حين تبحث عن مساحة مشتركة ، بينك وبين صديق ، أو حليف ، أو شريك ، أو خصم .. لتوسّع ـ بالاشتراك معه ـ هذه المساحة ، وتوظّفها معه ، فيما يخدم مصلحة الطرفين .. ثم تكتشف ، أن لديه مساحة مشتركة واحدة ، معك .. هي : أنت ! أنت ، بكل مالديك ، وبكل ما يخصّك ، من أرض ، وشعب ، ووطن ، وعقيدة .. وأن هدفه الأول ، والوحيد ، من الاتّفاق معك ، حول المساحة المشتركة .. هو الهيمنة التامّة عليك ، وعلى كل ما يخصّك .. وأنك أنت ، ذاتك .. مجاله الحيوي ، الذي يسعى جاهداً ، للهيمنة عليه ، والتوسّع فيه .. وأنه لا يعطيك أيّ هامش ـ مهما كان ضئيلاً ـ من نفسه ، أو عقله ، أو إرادته ، أو أرضه ، أو أيّ شيء يخصّه ..!
حين تكون الأمور هكذا .. فما ذا يعني هذا !؟
في ندوة حوارية تلفزيونية ، بين الشيخ القرضاوي ، وهاشمي رفسنجاني ، رئيس تشخيص مصلحة النظام في إيران .. شكا القرضاوي من سعي قادة إيران ، إلى نشر مذهبهم ، في صفوف المسلمين من أهل السنّة ، في الدول العربية .. ورأى في ذلك نوعاً من العدوان ، على الشعوب التي تعتنق مذهب أهل السنّة ! فكان جواب رفسنجاني عجيباً ومثيراً ، حين استغرب شكوى القرضاوي ، مؤكّداً أن ما تقوم به إيران ، من تبشير بين أهل السنّة ، بالمذهب الشيعي الإيراني .. إنما هو فضل وكرم من إيران ، التي تسعى إلى تنوير عقول أهل السنّة ، وتبصيرهم بما ينفعهم من أمور الدين .. وفي هذا فضل عظيم ، يجب أن يشكَر عليه الإيرانيون ، لا أن يقابـَلوا بالشكوى والاحتجاج !
فالمساحة المشتركة ، هنا ، هي عقيدة أهل السنّة ، التي يرى القرضاوي ، أنه مؤتمَن عليها ، بحكم موقعه البارز، في العالم الإسلامي .. والتي يرى رفسنجاني ، أنها مجاله الحيَوي ، لنشر مذهبه الشيعي ، الذي تمّ تأصيله وتقعيده ، في عهد إسماعيل الصفوي ، والذي لا يرى في أهل السنّة ، سوى أنهم العدوّ الأول في العالم ، للشيعة .. منذ القرن الهجري الأول ، وإلى اليوم ! وأنهم مطالَبون بثارات تاريخية ، بالغة الخطورة ، من أيّام أبي بكر الصديق ، وعمر ابن الخطّاب .. ومروراً بقتل الحسين ، بأيدي عسكر يزيد بن معاوية .. وبكل ماحمله التاريخ الإسلامي ، في عهوده المتعاقبة ، من مآس مرّ بها الشيعة ، الذين يرون أنفسهم أوصياء على آل البيت ، وممهّدون لحكم إمامهم الغائب ، الذي سيأتي يوماً ما ، لينتقم من السنّة ، عامّة ، ومن العرب ، خاصّة .. شرّ انتقام ! وهاهو ذا الشعار الشيعي الأبدي ( يالثارات الحسين !) يتردّد ، بالوف الحناجر، في كل مناسبة من مناسبات الشيعة ! وما نحسب عاقلا يتوهّم أن ثارات الحسين ، التي تردّد ، اليوم ، موجّهة ضدّ الصهاينة ، أو الأمريكان ، أو البريطانيين ! أو هي موجّهة ضدّ يزيد بن معاوية ، وعبيد الله بين زياد ، اللذَين ماتا من أربعة عشر قرناً !
هي ذي المساحة المشتركة ، على المستوى العقَدي !
أمّا على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني.. فالأمر ظاهر بوضوح ، فيما تفعله إيران، في العراق ، وفي سورية ، وفي لبنان ، وفي دول أخرى كثيرة ، في العالم الإسلامي ..!
المساحات المشتركة بين إيران والعراق .. واضحة للعيان ، داخل العراق !
والمساحات المشتركة بن إيران وسورية، واضحة للعيان داخل سورية، في ظلّ حكم آل أسد!
والمساحات المشتركة بين إيران ولبنان ، واضحة في لبنان ، وفيما يفعله حزب الله ، الذي يعَدّ فيلقاً إيرانياً ، داخل الدولة اللبنانية ! ولا يخفى هذا ، على لبناني ، أو غير لبناني ! ومتابعة قناة المنار، ساعات معدودة ، تظهِر ماهو حزب الله ، ولمن انتماؤه ، وولاؤه .. وما الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها ، في لبنان ، وفي المنطقة ، عامّة !
وليلق مَن شاء ، نظرة واحدة ، على ما يطلبه حكام إيران ، من قادة الدول العربية .. ليرى حجم ما تطمح إليه ، وتعدّه حقاً لها .. من مشاركة كبيرة في قرارات الدول العربية ، الاجتماعية ، والتربوية ، والثقافية ، والسياسية ، والأمنية .. عبر الأقليات الشيعية ، الموجودة في هذه الدول العربية .. التي تعدّها إيران ، أو تعدّ كثيراً منها ، جاليات فارسية ، بحكم المذهب الشيعي .. أو تعدها فيالق متقدمة لها ، داخل الدول العربية !
ليلق من شاء ، نظرة واحدة ، على ماطلبته إيران من مصر ، بتعيين وزير أوقاف شيعي ، ليشرف على مقامات آل البيت ، الذين تعدّهم إيران ، رموزاً مقدّسة لها ، وحدها ، ولمعتنقي مذهبها ، وحدهم ! وهي بالتالي لاتأمن أيّ وزير أوقاف سنّي ، على هذه المقامات !
وليلق من شاء ، نظرة واحدة ، على ماصرّح به رجل الدين الشيعي البارز ، في المغرب العربي ، من طموح مشروع ، بل حقّ راسخ ، في تشييع المغرب العربي .. لأن هذا هو الأصل ، والتسنّن استثناء ، يجب أن يزول !
وليلق من شاء ، نظرة واحدة ، على ما طالب به رجل الدين الشيعي البارز ، في السعودية ، من ضرورة مشاركة الشيعة ، بكل شيء ، في البلاد ! بل ؛ ومِن أمور عجيبة ، لايجرؤ على طلبها غازٍ محتلّ ، من دولة لها شيء من السيادة ، أو القوّة ، أو احترام النفس ! وكل هذه الطلبات ، مقدّمة تحت التهديد ، بمناجزة الحكام ، إذا لم يلبّوها ! وبإشارة واضحة قويّة ، إلى الدعم الإيراني ، لهذه الأقلية الشيعية .. إذا خاضت صراعاً مسلّحاً ، ضدّ سلطات الدولة السعودية !
وليلق من شاء ، نظرة واحدة ، إلى حقوق السنّة في إيران ، وهم يشكّلون كتلة صخمة ، قد تقارب نصف عدد السكّان ! ليعلم ما الذي يحصل عليه هؤلاء السنّة ، من حقوقهم .. بسائر مكوّناتهم العرقية ، من عرب ، وكرد ، وترك ، وغيرهم .. إذا علم أن طهران ، على ضخامتها واتّساعها ، ليس فيها مسجد واحد لأهل السنة ، برغم كثرة عددهم فيها ! بينما تُبنى (حسينية !) في قرية سورية ، ليس فيها سوى شيعي واحد !
أمّا الحملة المسعورة الأخيرة ، التي شنّتها أبواق فارس ، من أيام قليلة ، ضدّ فقيه الأمّة، العلاّمة القرضاوي .. لأنه نبّه إلى خطر الغزو المذهبي الفارسي ، للأمّة الإسلامية .. أمّا هذه الحملة ، فلا تترك مجالاً للشكّ ، أو الظنّ ، حول نيّات قادة فارس ، ومخطّطاتهم وأهدافهم .. في الهيمنة على الأمّة بأسرها ، شعوباً وأوطاناً ، والتي تعدّها مجالها الحيوي ، و(مساحتها المشتركة !) مع أهل السنّة ، المنساقين وراء شعارات : وحدة الأمّة ، وعدم فتح جبهة مع (الأشقّاء الفرس !) وعدم إثارة الفتن بين أهل الملّة ! ( وهي الفتن التي أثارها / إخوة الملّة/ كالعواصف الكاسحة ، والأعاصير المدمّرة ، التي لم يعد يفلح فيها دفن الرؤوس في الرمال، والتي لايقمعها سوى التصدّي لها ، بكل قوّة وحزم وتصميم ! ) .
فهل يعي الباحثون عن المساحات المشتركة ، مع (الشقيقة !) إيران .. هذا كله !؟ أم هم عنه غافلون ..! ومحاموهم ، من فصحاء أهل السنّة ، يدافعون عن الفرس وعقيدتهم ، أكثر ممّا يدافعون عن عقيدتهم السنّية ، وعن أوطانهم العربية ! لأنهم نسوا الألوان ، كلها ، وما عادوا يرون ، سوى لون الشعار الإيراني ، الذي يرفعه حزب الله ، في لبنان .. !
ولله في خلقه شؤون !