حول ترددات التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية
في غمرة تشاغل المجتمع الدولي وماكينته الإعلامية الموجهة بتداعيات الهجرة السورية المتدفقة نحو الغرب ، تمرر مخططات من الأطراف الدولية للإحاطة بالثورة السورية ، ومصادرة تطلعات الشعب السوري المشروعة إلى الحرية والكرامة الإنسانية ...
ليس البيان الرئاسي لمجلس الأمن ، ولا طروحات ديمستورا المكتوبة بالحبر الأسدي ، هي أخطر ما تكشف عنه الواقع من محاولات بائسة لإجهاض هذه الثورة المباركة ، وإحباط مساعي ثوارها . وكذلك ليست عملية التحويل التي تمارسها مراكز القوى الكبرى في العالم ، باقتراح ما يسمونه ( داعش ) ممثلا أولَ للشر والإرهاب في سورية بدلا من الإرهابي الأول بشار الأسد وداعميه ؛ هو أخطر ما في المؤامرة الدولية على الشعب السوري وثورته .
لقد مثلت السياسات الروسية على مدى خمس سنوات دورا أكثر إجراما بحق الشعب السوري وثورته . فأولا كانت قرارات الفيتو الروسية الأربعة وما ارتبط بها من دعم دبلوماسي لامحدود، ثم كان الدعم الروسي المتفاقم لبشار الأسد بالسلاح والخبراء ، شكلا من أشكال التدخل اللامباشر في الحرب ضد الشعب السوري وتطلعاته .
كما شكل الموقف الروسي بكل همجيته ووقاحته وتجرده من أي مبدأية أخلاقية أو شعور إنساني غطاء للموقف الغربي المتماهي أصلا مع سياسات الاستبداد والفساد لنظام بشار الأسد ...
ورغم كل ما وقع على مدى السنوات الخمسة الماضية ، ومع إصرار الشعب السوري على مطالبه العادلة في الحرية والكرامة الإنسانية ، وعلى الرغم من عظم التضحيات ، وجسامة التبعات ؛ يجد الرئيس بوتين نفسه اليوم مضطرا إلى الانضمام إلى حليفه الإيراني بلانتقال من التدخل غير المباشر في الحرب ضد الشعب السوري ، إلى التدخل المباشر بأن تكون له طائراته التي تقصف ، ورجاله الذين يجوسون خلال الديار ليشاركوا في قتل السوريين لتطويعهم وكسر إرادتهم ...
إن ما يتداوله الجدل الدبلوماسي ( الأمريكي – الروسي ) من تصريحات حول استعدادات روسية لاحتلال سورية ، والاشتراك في الحرب ضد الشعب السوري، تحت عنوان دعم شرعية زائفة لبشار الأسد ، والسجال الذي يدور بين الإدارة الأمريكية والقيصر الروسي حوله ، يملك دلالاته ويفرض تحدياته بأبعادها الدولية والإقليمية ...
إن الدلالة الأولى للتدخل الروسي الذي يطبخ على نار الشائعة بين الإثبات والنفي هو انهيار قوات بشار الأسد وحلفائه الإيرانيين وأذرعهم الضاربة وعجزهم عن الصمود أكثر في وجه الثورة والثوار مما يضطر الروس إلى أن يباشروا المعركة بأنفسهم بعد أن وكلوا إلى أدواتهم المهمة طويلا...
إن التخفي بإعلان التدخل لمواجهة ( داعش ) يؤكد المعنى التآمري المتوافق عليه بين الشرق والغرب والإرهابي الجاثم على صدر السوريين بشار الأسد . وهذا يفرض علينا أن نتساءل بحق: هل سيكون التدخل الروسي المباشر في سورية موضع مباركة وتأييد من النظير الغربي الأمريكي والأوربي بذريعة أن الروس سينضمون هم أيضا إلى محاربة ( داعش ) ؟!
إن ما سمعناه حتى الآن من ردود فعل أمريكية وإقليمية على الاستعدادات لتدخل روسي مباشر في سورية لا يبعث على الاطمئنان . ولا يكافئ حجم الخطر الذي سيحدثه هذا التدخل . كما لا تكافئ تداعيات هذا التدخل وانعكاساته المحلية والإقليمية .
وفي الوقت الذي لا تزال السياسات الإقليمية ، مع الأسف ، اتقائية متملقة تجاه الموقف الروسي ، وهذا ما يزيد الموقف الروسي صلفا واستهتارا بدماء السوريين ومستقبلهم .
ليس بالأمر الذي يمكن تجاهله أو التغافل عنه ، كما إنه ،إن حصل ، ليس مادة للتنديد والاستنكار والشجب فقط .
إن هذا التدخل سيمثل قلبا لموازين الصراع على أكثر من صعيد . ويفرض علينا موقفا استباقيا أقله اعتبار روسيا كما إيران دولة محتلة وتحميلها المسئوليات الكاملة عن تداعيات احتلالها لسورية في الحاضر والمستقبل .
كما يفرض هذا الاحتلال على المعارضة السورية بهيئاتها المختلفة أن ترفض أي وساطة أو مبادرة روسية . فالمحتل عدو وليس وسيطا . والعدو ينضم إلى العدو في الموقف وفي الحسابات الكلية والجزئية .
وقد آن الأوان للثورة السورية أن تقول كلمتها الفصل في الدور الروسي وفي الموقف من السياسة الروسية التي كانت شريكة في إزهاق أرواح نصف مليون سوري ، وتشريد نصف سكان سورية ...