إلى قتلة الأطفال، حتى الضباع في أوجارها تحمي جراءها
في اليوم العالمي لحقوق الإنسان :
لا تفسير لصمت المجتمع الدولي حيال ما يجري على الإنسان السوري من قتل وانتهاك في ظل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان إلا بالعنصرية التمييزية بين إنسان وإنسان أو الكذب والنفاق ...
إن جميع ما مارسه حافظ الأسد على مدى ثلاثين عاما من جرائم حرب ضد السوريين ، ثم استأنفه وريثه بشار ؛ كان المجتمع الدولي دائما شريكا مباشرا فيه . المجتمع الدولي بمؤسساته وممثليه الذي ظلّ يمنح هؤلاء القتلة المجرمين الاعتراف ، ويمنحهم مقعدا للشراكة خارج إطار إرادة الشعوب . إن مجتمعا دوليا يشرعن الانقلابات العسكرية ، ويدخل في لعبة الانتخابات المزورة والألاعيب الديمقراطية المزيفة ، ويغضي على القتل والاعتقال والتعذيب والتشريد هو شريك مباشر في الجريمة بالتواطؤ أو بالإغضاء ...
إن المنظمات الإنسانية ، ووسائل صناعة الرأي العام التي تتشاغل بإدانة الضحايا ، وتضخيم أخطائهم والتركيز عليها هي شريك مباشر في جريمة المجرمين من جهة وفي نفاق المنافقين وعنصرية العنصريين من جهة أخرى ، وهذا ما فضحته الثورة السورية في سلوك كل هؤلاء ..
إن إيماننا ، نحن أبناء حضارة الإسلام ، بقدسية الإنسان وكرامته وحقوقه، ركن من إيماننا بالله ورسالاته للبشر أجمعين . وهذا الذي سنظل نؤكده وندافع عنه ونحميه . ولن تدفعنا السياسات التمييزية للمنافقين والعنصريين إلا إلى المزيد من التمسك بهذا الإيمان، والمزيد من التنديد بانتهاكات حقوق الإنسان حيثما وقعت وبغض النظر عن هوية الجاني أو هوية الضعيفة . ستظل جناية القوي في إيماننا وفي إعلاننا جريمة ، وستظل الجناية على الضعيف في إيماننا وفي إعلاننا جريمة ، وسيظل الأخذ على يد المجرم بالنسبة للقادرين عليه هو الإدانة الحقة .
إن السياسات والمواقف (التمييزية ) في الوقائع المقارنة تعتبر جريمة أكبر في المعايير الإنسانية الحقيقية . إن عالما يجتمع بقضه وقضيضه ، بقادته وساسته وقادة الرأي والفكر فيه على إدانة جريمة منعزلة ( ندينها ونستنكرها ) تحدث في شارع أو على متن طائرة ، في الوقت الذي يسكت عن ( حرب إبادة ) متمادية تنتهك فيها كل حقوق الإنسان ، ويقتل فيها في كل يوم المستضعفين من الرجال والنساء والأطفال ؛ يشرعن سياسة عنصرية تمييزية بممارستها علنا وبطريقة تسقط بها كل دعاوى الأمم المتحدة وتوابعها في تبني مواثيق ما يسمى ظلما مواثيق حقوق الإنسان.
في تاريخ الأفكار لقد سايرت ثقافة حقوق الإنسان تاريخ الأديان والإيمان وتعززت هذه الثقافة لتتحول إلى قوانين مستقرة في شريعة القرآن . القرآن الذي أقر الاختلاف وجعل التعارف غاية له (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ..)) . لقد طرح المسلم منذ خمسة عشر قرنا سؤاله الاستنكاري : ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ) ليظل السؤال مطروحا ، على حضارة الإنسان في القرن الحادي والعشرين . لنعيد اليوم السؤال بكل الجدية والمرارة على صناع السياسة الدولية وحملة رايات المواثيق الحقوقية : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا...؟!
سؤال نطرحه اليوم بكل الجدية والمرارة والألم باسم الإنسان المستضعف المغلوب على المجتمع الدولي المتغلب بدوله وحكوماته ومنظماته ومواثيقه وثقافته ؟ متى ... بل إلى متى تستعبدون الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ..
إن كل الدماء التي سفكت في سورية على مدى خمسين سنة ، وليس فقط خمس سنوات ، هي من أجل حرية الإنسان وكرامته ، ومن أجل حقوقه الأساسية ، وليس من أجل كلام بلا مضمون يلوكه المترفون والمترفات.
وحين نتكلم عن قائمة حقوق الإنسان الأساسية فإننا نقصد إلى جانب حق الإنسان المقدس في الحياة ، حقه في خصوصياته الكبرى في صيانة عقيدته وعقله وعرضه وماله . هذا هو الخبز الحقيقي لثقافة حقوق الإنسان الذي ظل ينتهكه حكم الأسد ( شريك المجتمع الدولي ) في حياة السوريين على مدى نصف قرن . في ظل صمت الشريك الآخر وتواطئه على مدى نصف قرن . عشرون ألف مفقود سوري وستة عشر ألف مفقود لبناني ، يبتسم منافقو العالم لمن احتجزهم فغيبهم ويستقبلونه في المحافل الدولية بل وفي النوادي الحقوقية ليحاضر في ثقافة حقوق الإنسان.
اليوم ، وفي ظل شريعة حقوق الإنسان التي تحتفي الأمم المتحدة اليوم بها ، يقتل في سورية مع كل صباح تشرق فيه الشمس عشرات الأطفال ببراميل بشار الأسد ، وقذائف طائرات الغزاة الروس ، وطائرات التحالف الدولي ، نقول لأوباما وكاميرون وميركل وأولاند : حتى الضباع في أوجارها تحمي جراءها..