الرئيس الأمريكي أوباما، محطات في حديث السلام البارد
تذكرنا المقابلة التي أجراها الصحفي الأمريكي (جيفري غولدبيرغ ) مع الرئيس باراك أوباما ، ونشرتها مجلة ( ذا اتلانتيك ) الخميس / 10 / 3 / 2016 ، بذلك النوع من المقابلات التي تعود بشار الأسد إتحاف الرأي العام بها بين الحين والآخر .
على الصعيد الشخصي يمكن أن يوصف أوباما بكل ما تعود رجال الإعلام الغربي أن يصفوا به بشار الأسد من غرور ونرجسية وانفصال عن الواقع ، وتضخم الأنا ؛ التي تجعل رجلا مثل أوباما يتصرف مثل فيل ضخم في محل بيع التحف الزجاجية . فيحطم النفائس كيفما أدار لسانه ..
في مأثورنا الشعبي نقول : ( يا رايح كثر الملايح ) ، أوباما الذي بدأ بحزم أمتعته من البيت الأبيض يبدو أنه يريد أن يودع وداعا آخر يحفظ له المأثور الشعبي مثله الآخر ( ودّعَ وداع ....) ، مع الاعتذار من المذكورين .
يتكلم أوباما في مقابلته ، على سجيته الموروثة ليس في النهش والخمش والعض فقط ؛ بل في الإضرار بمصالح الدولة الأمريكية التي يؤتمن على مصالحها . ومن هنا فقد بدأنا ، بعد نشر المقابلة فورا ، نتابع ترقيعات (مجلس الأمن القومي الأمريكي) لخروقات أوباما السياسية . والرد على الرئيس ، كما هو الحال في كل دول الاستبداد ، يأتي تحت عنوان الرد على الصحفي المستضعف ، ولعل أول غيث هذه الحملة ما أوضحه ( مارك سترو ) في الرد على كلام ( جيفري غولد بيرغ ) وليس على الرئيس أوباما ، في تأكيد خصوصية العلاقة بين الولايات المتحدة وتركية!! ، ونظن أن إساءة أوباما للأوربيين عموما وخصوصا ستحتاج إلى الكثير من الرقع على المدى القريب ، نظرا للضجة التي أحدثتها تصريحات أوباما في الصحف البريطانية والأوربية بشكل عام ..
يسعى أوباما ، قبل أن يغادر البيت الأبيض ‘ إلى تدمير علاقات الولايات المتحدة الثابتة والمستقرة بكثير من الحلفاء ، بل ويعلن بصراحة غضبه على (العقيدة السياسية الخارجية ) الأمريكية ، لمصلحة مغامرة غير محسوبة في حلف إشكالي جديد رعاه هو في منطقة الشرق الأوسط . ويظن أن الهجوم على الآخرين هو أفضل طريق للدفاع عن نهج الخبال الذي نهج على مدى ثمانية عجاف كانت على العالم مثل سني يوسف في عهد فرعون .
يستعد أوباما للخروج من البيت الأبيض ، وهو يعلم أنه سيخرج مجللا بعار جرائم حرب كان شريكا مباشرا في تمريرها . جرائم حرب أزهقت أرواح مئات الألوف من المدنيين ، والملايين من اللاجئين في سورية والعراق واليمن والتي ستلاحقه عبر قرون التاريخ لتسلكه في سلك واحد مع النمرود و فرعون ونيرون وهتلر وموسوليني وستالين وبشار الأسد وحليفه الجديد الولي الفقيه .
ومتبوعا بعار هزيمة سياسية يستشعرها كل أمريكي في تنحي بلاده عن منصة الفعل الدولي ، لتكون الكلمة الأولى في هذا العالم ، طوال عهد أوباما ، للروسي ( بوتين ) . ليس في سورية والشرق الأوسط فقط ، بل في أوكرانيا والقرم ، وفي تركية عضو الناتو المخذول . أوباما لم يخذل فقط تطلعات السوريين ، فمن قبل خذل تطلعات الأوكرانيين . وسمح لبوتين أن يغير في خارطة العالم وهو يتسلى بمضغ اللبان الكيني المفتّر . وهو سيتسبب في تغير خارطة التحالفات الاستراتيجية التي ربما لم يجد أصحابها بعد الفرصة للتعبير عنها . اعتماد تنظيم ( البيد ) حليفا أجيرا موازيا للدول التركي لا يزعج أردوغان وحكومة العدالة والتنمية فقط ، بل هو أكثر إزعاجا للعسكر التركي وللقوميين الأتراك . نبهوا البليد أوباما إن كان لا يعلم .
إن أجمل حصاد حصل عليه أوباما من اتفاقيته حول النووي الإيراني ، المثيرة للكثير من الجدل حتى بين الأمريكيين ، هو إطلاق إيران المزيد من الصواريخ الباليستية ، القادرة على حمل الرؤوس النووية ، وبمدى 2000 كم . ومع كل ذلك لا يجد أوباما طريقا للدفاع عن تخاذله وخنوعه غير المزيد من المتبجح والادعاء .
ويزيد أوباما من استفزاز الرأي العام الأمريكي والعالمي حين لا يجد أحدا من ساسة العالم يمتدحه في مقابلته الطويلة إلى حد الإملال غير ( الرئيس الروسي بوتين ) خصمه الذي مرغ أنفه ، ليعرب عن إعجابه ( بلباقته وصراحته ودقة مواعيده ) مغتفرا له ما صنعه بالأواكرانيين من تمزيق بلدهم ، وكبت حرياتهم ثم ما ارتكبته طائراته المعتدية من جرائم حرب ضد المستضعفين السوريين في مضاجعهم و مدارسهم ومساجدهم ومستشفياتهم وأسواقهم ...
(في سورية ) لم ير أوباما أن مقعده الدائم في مجلس الأمن يفرض عليه واجب حفظ الأمن والسلم هناك . أوباما لا يرى مهما يستحق الجهد الأمريكي غير : حماية إسرائيل – والهجوم على تنظيم القاعدة – وحماية الأنظمة الوظيفية التي تحمي إسرائيل . والتي كان منها نظام القذافي الذي ينتقد إسقاطه ، ونظام مبارك الذي استأنف دوره برعاية أوباما على يد السيسي ، ونظام بشار الأسد الذي يفخر أوباما بقراره الصائب بالمحافظة عليه ، ورفض محاسبته على استخدامه غاز السارين ضد أطفال الغوطة وانتهاكه خط أوباما الأحمر . في فقه أوباما الذي يفصح عنه بجرأة وغرور تبقى المبادئ والمواثيق الدولية خدعة كبرى يستخدمها مثله فقط عندما يشاء .
كانت اللغة المقيتة التي تحدث بها أوباما في مقابلته هي لغة من يقول : أنا الصح وكل من حولي خطأ ...
الأوربيون لا شيء ، وكاميرون كان مذهولا متشاغلا عما يجري في ليبية بأمور صغيرة . وساركوزي كان تظاهريا مدعيا ، وأردوغان دكتاتور مستبد مخيب للظن ، رفض أن يحارب في سورية نيابة عن أوباما ، طبعا ليس في نصرة الشعب السوري ، وإنما في كسر شوكة تنظيم الدولة .
والعربية السعودية ودول الخليج تقصي نصف شعوبها ( طبعا يقصد النساء ) وهي مغذية للتطرف والإرهاب بدليل أن المسلمات في اندونيسيا بدأن يتحجبن بعد أن وصل الدعاة السعوديون إلى هناك !!
والمطلوب في نظر أوباما الاستراتيجي في المنطقة التي يفتك بإنسانها حلفاؤه من عصابات الولي الفقيه : سلام بارد يسود المنطقة . سلام بارد تصنعه العربية السعودية بالاستسلام لمشيئة إيران ...
حين يتحدث أوباما عن السلام البارد ويحمل مسئوليته للدول العربية ينسى أو يتناسى أنه ليس للعربية السعودية ولا غيرها أي جندي يقاتل على الأرض الإيرانية ، وأن عصابات الولي الفقيه ومرتزقته هي التي تقاتل في العراق وفي سورية وفي اليمن وهي التي تتحكم في لبنان حتى تغمره بالنفايات ..
ينسى أوباما أو يتناسى أن أي دولة عربية لا تبث نداء الكراهية ، مطالبة بالثأر التاريخي من قتلة رمز العدل في العالم ( عمر بن الخطاب ) ؛ بينما حلفاؤه الجدد الذين اعتمدهم ، ومنحهم كل الدعم لتنفيذ مآربهم في العدوان هم الذين يهتاجون على مدار الساعة على عشرات الفضائيات في الليل والنهار ( يا لثارات الحسين ) لا نظن أن باراك أوباما يعتقد أن الحسين المطلوب الثأر له هو أبوه ..!!
( السلام البارد ) يقوم عندما يمنع أوباما حلفاؤه الجدد من استمراء العدوان ، والجرأة عليه ، والاندفاع فيه .
ومع كل هذا التبجح والادعاء والغرور يُقْدم الرئيس بارك أوباما – مع الاعتذار للشعب الأمريكي – على الكذب البواح الصريح حين يطمس كل التقارير التي ترفعها إليه وكالة استخباراته السي آي إية عن حقيقة الحبل السري لتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة . من يدعمهم ؟ من يوظفهم ؟ وفي مشروع من يخدمون ؟
هو ( أوباما ) والولي الفقيه وبشار الأسد شر الثلاثة الذين يعلمون حقيقة اللعبة القذرة التي يلعبون ...