الضربة الثلاثية
أما بعد:
فيما سمعناه من أدبيات الحرب أن ( الحرب كَر وفر ) ، وفيما يبدو لنا الآن ( القرن ألواحد والعشرون ) فإن هذه المقولة الأدبحربية تتعلق أساساً بحروب داحس والغبراء وليس بحروب القرن الواحد والعشرين ، قرن الصواريخ الذكية العابرة للقارات ،والغواصات العابرة للمحيطات ،والخطوط الهاتفية الساخنة العابرة لدول العالم الثالث بقارَاته المختلفة وأخيراً وليس آخراً قرن الغازات السامة عابرة القيم والأخلاق وقاتلة الأطفال وهم في أحضان أمهاتهم . هذا ، ولم تعد اليابسة اليوم هي موضع الكر والفر ، وإنما باتت السماء والبحار هي هذا الموضع ، لكل من الكر والفر على حد سواء . وفي إطار هذا المفهوم الجديد للكر والفر ، تم على مايبدو فرار ونقل السيد الرئيس بشارمن القصر الجمهوري إلى ميناء طرطوس حيث القاعدة البحرية الروسية التي قدمها سيادته إلى فلادمير بوتن مكافئة له على حمايته من الإرهابيين (!!) الذين هم عملياً غالبية الشعب السوري الذي فجر ثورة آذار 2011 ،والذين كانوا قبل مجيئ بوتن على وشك القائه ، وإلقاء نظامه كاملاً في الثقب الأسود الذي تعرف بدايته ، ولكن لاتعرف نهايته .
منذ السابع من نيسان / أبريل ، يوم مقتلة/ مذبحة / مجزرة أطفال دوما بغازات بشار الأسد السامة ، أقول منذئذٍ ونحن نسمع صباح مساء ، ومن مختلف وسائل الإعلام ، أن هذه المجزرة الكيماوية ، المحرمة دولياً ، لن تمر دون عقاب . بل بات على بشار الأسد أن يجهز نفسه للرحيل الذي لارجعة بعده . وبدأت من هنا سلسلة اجتماعات ومهاترات مجلس الأمن الدولي ، وبدأت معها سلسلة الفيتوالروسي اللانهائية ، بينما كان سكّان المعمورة يحبسون انفاسهم ، وهم يعدون الأيام والليالي، بانتظار( الرد المناسب) الذي وعد به ( الرجل المناسب ) ممن نصبوا أنفسهم مدافعين عن الديموقراطية وحقوق الإنسان.
وبعد أسبوع من هذه المشاورات والمهاترات ، والذي ( الأسبوع ) كان ضرورياً لكل من بشار وبوتين وقاسم سليماني وحسن نصر الله ، لكي ينظفوا مدينة دوما من الإرهابيين (!!) أي عملياً من سكانها الأصليين ،من جهة ، ومن جهة أخرى ، لإخفاء آثار الجريمة (آثار السلاح الكيماوي ) ولا سيما إخفاء الأثر الأهم والأبرز لهذه الجريمة ، ألا وهو بشار الأسد نفسه ، الذي تم نقله من قبل قوات بوتن (على ذمة وسائل الإعلام ) الى القاعدة البحرية الروسية في طرطوس،كي لايصيبه مكروه على يد الصواريخ الأمريكية ، او الطائرات الفرنسية والبريطانية ،التي باتت روائحها تزكم الأنوف ، وأصواتها تصم الآذان ، باعتباره الدجاجة التي تبيض لهم (الروس) ذهباً كل صباح .
لقد أخذت الصواريخ الذكية والطائرات الذكية أخيراً طريقها إلى المواقع المحددة لها ، وذلك بعيد منتصف ليلة الجمعة الموافق13 نيسان / أبريل 2018، وقبيل فجر يوم السبت أعلن ترامب عن انتهاء المهمة ،( أي بعد حوالي ساعتين ) وبات على جميع الأطراف ( بوتن وترامب وبشار وطهران وحسن نصر الله الجيش العقائدي السوري) ، أن يعلنوا انتصارهم في هذه الحرب كل على من يشاء ، وكل على طريقته . هذا وقد كانت طريقة نظام ولي الفقيه ( مثلاً) في احتفاله بالنصرعلى أطفال ونساء وشيوخ دوما ، هي أن يرسل أحد أتباعه ( علي أكبرولايتي ) لزيارة مدينة دوما والتأكد من تهجيرأهلها ومن تدمير بيوتها ،ومن قتل أطفالها ، تماماً كما أراد لها ولي الفقيه أن تكون . فلتقر عيناك ياسيد خامنئي ، فإن دوما باتت أثراً بعد عين ، وبات بإمكانك أن تعيد بناءها وتحويلها إلى ملكية إيرانية فارسية ، لكي تقوم بوظيفتها التاريخية في تشكيل الحزام الأمني ، الذي يقوم بحمايةالفئةالضالة في سوريا ، برئيسها ، وبجيشها العقائدي وبشبيحتها وبكل من يجيد اللطم فيها، وأيضا وأيضاً بحماية ماتطلق عليه طهران " العدو الصهيوني !!"وذلك على سبيل تسمية بعض الظواهر الطبيعية أو الإجتماعية بأضدادها .والله أعلم .