مأساة إدلب و«الرادار الأممي» العاطل عن العمل
أفادت تقارير صحافية وميدانية متقاطعة بأن فصائل المعارضة السورية المسلحة انسحبت من محيط مدينة خان شيخون، بعد تعرضها لعشرات الغارات الجوية من الطيران الحربي الروسي الذي استخدم صواريخ ارتجاجية شديدة الانفجار يبدو أنها دخلت ميدان المعارك للمرة الأولى، في سياق إصرار موسكو على تحويل سوريا إلى مختبر لتطوير أسلحتها الفتاكة. وما شهدته خان شيخون هو الحلقة الأحدث ضمن حملة عسكرية منظمة في شمال محافظة حماة وجنوب محافظة إدلب، بدأها النظام السوري قبل ثلاثة أشهر مدعوماً من سلاح الجو الروسي ومرتزقة روس، وانضمت إليها مؤخراً كتائب «حزب الله» اللبناني وميليشيات عراقية شيعية المذهب.
المدنيون هم الضحية الأولى لآلة الحرب الجهنمية هذه، إذ من المعروف أن مناطق محافظة إدلب وحدها باتت تأوي قرابة ثلاثة ملايين مدني بينهم مليون طفل على الأقل، نتيجة عمليات التهجير القسري نحو مدنها وبلداتها وقراها، وأن آلاف الأسر تعيش في العراء دون أي ملجأ يقيها من الغارات الوحشية. ومنذ ابتداء حملة تحالف روسيا وإيران والنظام السوري في شمال حماة وجنوب إدلب، سقط أكثر من 460 شهيداً في صفوف المدنيين، وأُجبر أكثر من 330 ألفاً على النزوح نحو المجهول، مما اضطر ميشيل باشليه المفوضة السامية لحقوق الإنسان إلى الاعتراف بأن «سوريا لم تعد على الرادار الأممي»، وأن المجتمع الدولي يقابل مأساة إدلب بـ»لامبالاة جماعية».
ويُستفاد من اعترافات طيار عامل في جيش النظام السوري، أسقطت المعارضة مؤخراً طائرة «سوخوي 22» كان يقودها أثناء عمليات قصف في منطقة إدلب، أن المعارك في هذه الحملة تديرها روسيا أساساً، وتأتي إيران بعدها عبر الميليشيات المختلفة الموالية لها، وفي المرتبة الأخيرة يحل الفيلق الخامس التابع للنظام السوري والذي أنشأته وزارة الدفاع الروسية في الأساس. وهذا من جهة أولى يعني أن ما يُقال عن التنافس الروسي ـ الإيراني على الساحة السورية يمكن أن يتوقف عند نقطة محددة من التقاء مصالح البلدين، كما يدل من جهة ثانية على أن تفاهمات أستانة بين روسيا وتركيا يمكن أن تعلقها موسكو أو حتى تنتهكها لصالح تفاهمات من نوع مختلف مع إيران، ويبرهن من جهة ثالثة على أن نظام بشار الأسد بات أسير اتفاق أو اختلاف القوى الأجنبية الفاعلة على الأرض، عاجزاً عن حسم أي معركة عسكرية من دون مساندة هؤلاء الرعاة.
وفي أحدث تعليقاته على حملة إدلب، خلال لقائه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قلعة بريغانسون جنوبي فرنسا، ردد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكذوبة وجود القوات الروسية في سوريا لمحاربة «الإرهاب» فقط، متجاهلاً حديث ماكرون عن «أطفال يقتلون» و»مدنيين يتعرضون للقنابل». ومن المؤسف أن «الرادار الأممي» في أماكن كثيرة من العالم لم يعد يلتقط من إدلب إلا إشارة واحدة هي وجود «جبهة النصرة» هناك، متجاهلاً آلاف المعارضين السوريين المدنيين الذين لا يتفقون مع خطّ الجهاديين أياً كانت فصائلهم، ومتناسياً الأعمال البطولية التي تقوم بها مجموعات الإغاثة والإنقاذ، على شاكلة منظمة «الخوذ البيضاء».
وفي كل حال لا يلوح أن تقدم تحالف روسيا وإيران والنظام السوري نحو خان شيخون سوف يحسم الحملة الراهنة، إذ أن معركة إدلب طويلة، ونطاقها الجغرافي أوسع بكثير مما يُعتقد.