بين اللجوء السوري واللجوء الآخر أي فرق !!؟؟
ربما تأخرنا كثيرا - زمنيا على الأقل- حتى أدركنا أن التغيير الديموغرافي في المنطقة هدف من أهداف المتآمرين الدوليين عليها.
وأن هذا التغيير بدوره مطلب تدور عليه، أو تختفي وراءه عدة مطالب أخَر منها ، شفاء نفوس ما تزال تتمضمض بهزيمة يوم حطين، وباصطفاف ملوك الغرب مقيدين بين يدي "الناصر صلاح الدين" ومنهم ريتشارد قلب الأسد، وبيوم المنصورة،ودار ابن لقمان تؤوي لويس التاسع ملك فرنسة، قلت منها وليس كلها.
ومنها تهيئة المنطقة بتغيير ديموغرافيتها لقبول الجسم الغريب المزروع إسفينا في قلبها. قصيرو النظر هم وحدهم الذين ما زالوا عاجزين عن استيعاب المعادلة، واستيعاب أن البديل الذي تمسك به صانع القرار الدولي في العراق والشام "سورية ولبنان" واليمن، هو خونة العقيدة والثقافة والتاريخ، من الذين تعهدوا وأبرموا مواثيق الغدر الخفية، وقال قائلهم ونجيبهم يوما: لولا هم ما احتلت أمريكا أفغانستان ولا العراق..!!
والهدف الثالث المختبي وراء "التغيير الديمغرافي" في المنطقة، المبادرةُ الاستباقية، لقطع الطريق على هبات الشعوب التي قد تطيح يوما بالأمراء الأجراء، وتأتي بقادة حقيقيين يدافعون عن مصالح المنطقة، وإرادة شعوبها، فيفوت الفوت، ويقع المحظور.
وترون اليوم رأي العين أن خيارات أولي العجز منا محاصرة بين صهيوني وصفوي, أي بين حصاني العربة الدولية. ومن زعم أنه يرى فرقا بينهما، فليفرك عينيه جيدا، أو فليغسل العمش عنهما، لعله يشف قليلا، فالعمش خير من العمى الذي هو فيه..
ونعود لأصل موضوعنا : بين اللجوء السوري واللجوء الآخر أي فرق؟؟
ولأبدا باختصار شديد في التمييز بين اللاجئ والمهاجر لأوضح أن اللاجئ هو من خرج من وطنه خوف الأذى الجسدي يلحق به أو بأسرته، والمهاجر من خرج لأسباب أخرى، ليس منها خوف القتل أو الاعتقال والانتهاك والتعذيب...!!
ولو قدمنا الحديث عن اللجوء الفلسطيني لقلنا ،وكذا خرج إخواننا الفلسطينيون من وطنهم منذ عام 1948 تحت تأثير فعل عصابات الهاغاناة وشقيقاتها في مجازر قبية ودير ياسين..
وكذا خررج عشرات الألوف من السوريين من وطنهم منذ 1978. بفارق ثلاثين عاما فقط. كانت هجرة الفلسطينيين مشهودة مجهورة واضحة، ووكانت هجرة السوريين الأولى، صامتة خفية، يطوي أحدهم جرحه، ويتسلل خلسة إلى بقعة يظن فيها الأمن، ويمضي في حياته ينتظر من الله الفرج، أو يسعى إليه.
ثم جاءت هجرة السوريين الثانية بعد عشر من الألفية الثانية، لتتجاوز كل ما تصور المتصورون، وطمح الطامحون، وأراد المخططون، ولتكون أكبر هجرة شهدها تاريخ البشرية على الإطلاق هجرة أكثر من 13 مليون إنسان..وعلى مدى عقد من الزمان وما يزال كثير منهم حبيس الخيام. الطفل الذي ولد في الخيمة عمره اليوم عشر سنوات وربما أكثر...
الذين خططوا لهذا الأمر في العراق، أرادوه بقدر، وعندما جاء بريمر إلى العراق، جاء بمصطلح "العرب السنة" ليضع في كف السواد العام من سكان العراق أنهم الأقلية، وأنهم المغضوب عليهم. وتحت سمع الاحتلال الأمريكي وبصره ارتكبت المذابح بحق هذا المكون برسم التقليل، واستبيحت المدن والمساجد، وتمت عملية التخفيف من الظل السني في الدولة والمجتمع، مما يحقق لصاحب المخطط هدفه. عراق شيعي إيراني لا خوف منه ولا حزن عليه..
قبل خوض التجربة في سورية قرأت مقالا لأحد الناطقين باسم أصحاب المشروعات في جريدة السفير اللبناني ، يتلاعب بعملية الضرب والطرح والقسمة ثم يخرج بنتيجة أنقلها لكم كما هي، "أهل السنة أكبر الأقليات في سورية" ويعطيهم نسبة 45% في المائة وأظن أنها النسبة التي يطمح المخططون إليها.
ولكن ما حدث في سورية كان أكبر من توقعات المخططين، وكان أشد هولا ورعبا ..
انتبهوا إلى الفروق فإدراك الفروق يعلّم وينبه، ورحم الله الإمام القرافي صاحب كتاب الفروق..
هل تسمعون أحدا على مستوى العالم أو الإقليم يطرح برنامجا للعودة الطوعية الآمنة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم؟؟ ولماذا لا ؟؟
هل تسمعون أحدا على مستوى العالم أو المنطقة يطرح برنامجا للعودة الطوعية الآمنة للعراقيين أو للأفغان أو للصوماليين أو لليمنيين إلى ديارهم؟؟ ولماذا ..لا ؟؟
وحدهم هم السوريون، هم ورقة التذمر والتأفف والوعيد والتهديد والمتاجرة والمناورة والمؤامرة ..
يقولون: في العالم أكثر من مائة مليون لاجئ ومهاجر ، فهل يشكل السوريون أكثر من عشرهم بقليل، فلماذا كل هذا العياط والمياط..وكلما أفلس أحدهم أو كاد صاح: اللاجئون...
لماذا ما تزال تُذلل سبل حياة المهاجرين من كل الأقوام، إلا السوري فكأنه الوحيد من دون أهل الأرض أجمعين الذي "شخ في الشمس" فتضيق به أو تضيّق عليه سبل الهجرة، والضرب في جنبات الأرض!! تضيق على الوالد والولد، على الأم والصبية، وإذا تذكرهم العالم المنكود بشيء فلا يتذكرهم إلا بحقوق المرأة في خلع زوجها، وفي حقوق الابن والابنة في التمرد على أبيهما!!
هل تعتقدون أن هؤلاء الذين يظلون يلهجون ويتذمرون من وجود الإنسان السوري يفعلون ذلك من عندهم، أو تتذكرون حكاية المثل الروسي عن الكلب متعدد الأذناب الذي يحرك كل شعبة من ذنبه كلما أراد.
ثمة أمر واحد يجب أن ندركه نحن السوريين هو أنه إذا كان تهجيرنا من ديارنا - ولو بقدر - هدفا استراتيجيا لهم، فإن عودتنا إليها يجب أن يظل هدفا استراتيجيا لنا. نتمسك به بجمعنا، وهنا نلتقي مرة أخرى مع شقيقنا الفلسطيني: عائدون...
عائدون ... نحملها على كواهلنا، نورثها لأجيالنا،
عائدون إلى سورية التي لا ظلم ولا خوف فيها ولا عدوان..ونتذكر أننا يجب أن نظل عاملين لننفي عن سورية الظلم والخوف والعدوان..
عائدون إلى سورية لنحصنها ونحميها ونبنيها.. إن شاء الله ..