معركة الشيخ يوسف القرضاوي الأضخم والأخطر والتي ما تزال رحاها بيننا أو علينا تدور
في وداع الراحلين
ورحم الله الشيخ يوسف وعوض المسلمين في مصيبتهم خيرا...
وأعلم أن الشيخ يوسف القرضاوي رحمه الله تعالى قد خاض كثيرا من المعارك، على كل الجبهات والثغرات دفاعا عن الإسلام والمسلمين، ولكن أخطر معاركه وأشدها أوار، وأحماها وطيسا، وأكثرها بركة وإتاء، والتي ما تزال راحها تدور وستظل تدور ، هي معركته مع بعض الذين ستسمعونهم يؤبنونه اليوم،. معركته المستدامة مع جيل من الناس من "لابسي الخرقة" كما اصطلحوا لأنفسهم، يظنون في أنفسهم أنهم الحق وأن الباطل كل من عداهم وكل ما عداهم...
لألخص لكم المعركة وأطرافها والوالغين فيها بواقعة كنت أحد أطرافها حتى لا يقول قائل أثم أو وتغ ، وما أكثرهم حولي حين أقول...
كنت فتى حدثا في مدينتي الحبيبة الجميلة حلب، وكان صاحب "المكتبة العربية" التلاليني رحمه الله يبيعنا مجلة حضارة الإسلام - ومجلة المسلمون القادمة من جنيف- ومجلة البعث الإسلامي القادمة من الهند، وغيرها، ويشير علينا ببعض الكتب المطبوعة في بلاد المسلمين من هنا وهناك. وأشار عليّ يوما بكتاب "الحلال والحرام في الإسلام" القادم من مصر ، والذي ألفه عالم شاب اسمه يوسف القرضاوي، واشتريت من قروش قليلة، من قروش قليلة، وليس بقروش قليلة، نسخة من الكتاب ثلاث ليرات ونصف. كان غلاف الكتاب بلون فضي، ونقش عليه اسم المؤلف. لا أذكر إذا كان قد ذكر على الكتاب رقم الطبعة، ولكنني ما زلت أظنها الطبعة الأولى..
وتواعدتُ ونفرا من أصحابي على أن نجتمع على قراءة جماعية للكتاب، وتلك كانت بعض طرائقنا، نقرأ ونفلي ويعين بعضنا بعضا على الفهم ، وكثيرا ما ننتقد حتى مؤلف الكتاب.
وبلغ خبر اجتماعنا لقراءة كتاب الحلال والحرام بعضَ القوم الذين تعلمون. وجاءنا النهي مع الزجر. "كتاب القرضاوي لا تقرؤه. القرضاوي متساهل متفلت على طريقة المصريين!! وبديلكم إذا شئتم : "الدرر المباحة في الحظر والإباحة"
وطبعا توقفنا عن قراءة الكتاب. صففته في رف مكتبتي الصغير دون أقرأه وكنت قد عاهدت الرفّ أن لا أصف عليه إلا ما قد قرأت ووعيت
لتمر الأيام...
وأزعم وأنا بزعمي حقيق أن معركة الشيخ القرضاوي رحمه الله تعالى منذ ألف الحلال والحرام في الإسلام وحتى يوم غادر المنبر كانت مع هذا اللفيف من الناس، الذين حاربوا الإسلام باسم الإسلام، وطمسوا عقول المسلمين بدعوى الانتصار للمسلمين. واليوم يحز في النفس ويملؤها أسى وألما أن نعيش اللحظات يترجل فيها الفارس المعلم، والشيخ الإمام، وأرى فرسان الزور برمحاهم وسيوفهم يمتطون كل السروج ويعملون طعنا في الصدور والظهور..!! تلك كانت وما زالت معركة الشيخ الأخطر، لا الطغاة ولا المستبدين ولا المحتلين ولا المارقين ولا المنحرفين، وكل هؤلاء حارب الشيخ أو حاربه الشيخ، لم يكونوا بخطورة الفريق لابسي الخرقة الذين ما يزالون يكيدون بعلم أو بجهل للإسلام والمسلمين ااا
يرحل الشيخ يوسف رحمه الله تعالى ،ورحى معركة الإسلام ما تزال دائرة، وقد أصبح لأهل الغلو والتطرف والانغلاق وفرق الجهالة عدا عن المنابر والمحابر ،فرق وفصائل تصول باسم الإسلام وتجول...
ثم كبرت ووعيت وعدت إلى كتاب "الحلال والحرام في الإسلام من جديد فما وجدت ما يدفع إلى الشك ولا إ ما يريب..
في حديث للشيخ يوسف عن حكاية تأليفه للكتاب، وتكليف بعض الشيوخ في الأزهر له بذلك، ثم محاولة الشيح الذي أعجب بالكتاب أن يجد له سندا يرتقي إلى أفق الكتاب من غير مصر، يقول الشيخ يوسف، أن الشيخ الأزهري قد أرسله ونحن في 1959 إلى أكثر من عالم مفضال من أهل الشام. وأن الدكتور محمد المبارك الأستاذ في كلية الشريعة في جامعة دمشق، كان من الذين أثنوا على الكتاب وقرظوه وأوصوا به ومدحوه!!!!
لماذا يصعب على العالم أن يمدح أخاه؟؟ ذلك سؤال ما زلنا نحار فيه..؟؟ يقول عمر بن أبي ربيعة: "وقديما كان في الناس الحسد..."
يرحل الدكتور يوسف القرضاوي اليوم، وقد نيّفت طبعات كتاب "الحلال والحرام في الإسلام على السبعين أو الثمانين" وترجم الكتاب إلى العديد من اللغات ، ولكن المعركة على كتاب الحلال والحرام لم تكن إلا حلقة في سلسلة من المعارك ، ما تزال مستمرة، وهي معركة مع العقل والفهم والعصر وعلوم الشريعة والاجتماع، بوكل الألم أقول هي معركة غاب اليوم فارسها، وحتى الذين استسلموا أمام الفارس الأول ما يزالون يرابطون أمام مقالعهم هنا وهناك...
الشيخ يوسف رحمه الله تعالى صار إلى ربه..
وخلا لكِ الجو فبيضي واصفري
ونقّري ما شئت أن تنقري ..
اللهم اغفر للشيخ يوسف القرضاوي وارحمه وأعل نزله واخلف المسلمين بمصيبتهم به خيرا ...
وإنا لله وإنا إليه راجعون.