عَارُ الخامس من حزيران، واستمرار زمرة إنتاج الهزيمة
حين تمرّ الذكرى الحزيرانية كل عام، يقفز إلى أذهاننا فوراً، أنّ هزيمة الخامس من حزيران كانت هزيمةً للنظام السياسيّ، وللمنهج الحاكم، وللنظريات الاستبدادية القائمة حتى هذه اللحظة.. فليس أخطر على الوطن وشعبه من حاكمٍ مستبدٍ يصادر الحرية والكرامة، وينتهك الحقوق الإنسانية، ويسدّ منافذ الانفتاح السياسي والاقتصادي والمدني، ويُطبِق على أنفاس العباد، ويتاجر بالوطن وأهله، ويُشرع كلَّ الأبواب أمام الفساد الاقتصادي والإداري والسياسي والأخلاقي والتربوي والتعليمي والثقافي والاجتماعي والمالي.. ثم يورِّث كل هذه الكوابيس إلى الولد الغرّ والزمرة الفاسدة وشركاء السوء من بعده، فيكملون مشوار الفساد والهزائم والخيانة، ويحوِّلون الوطنَ ومصيره إلى ركامٍ يتطاير مع كل نسمةٍ داخليةٍ أو خارجية، ثم يسلّمونه يداً بيد، إلى المحتل المجوسيّ الفارسيّ والروسيّ، بدعمٍ صهيونيّ مُكَرَّرٍ!..
لقد أنتج النظام الأسديّ لشعبنا وأمّتنا هزائمَ يصعب حصرها، ما أهون الهزيمة العسكرية الحزيرانية أمامها.. فحرب حزيران هزمت سياجاتٍ خارجيةً للوطن، أما الحرب المستمرّة التي يشنّها النظام الاستبداديّ ضد الوطن وأهله منذ أكثر من خمسين عاماً، فهي تهزم شعبنا هزيمةً داخليةً تُعتَبَر الأساس لكل الهزائم.. لذلك، فالنظام الحاكم، كان، وسيبقى، مسؤولاً عن كل مصيبة، لأنه غرس الحجر الأساس لها، فهو نظام يقوم في كل لحظةٍ بإعادة إنتاج الهزيمة الحزيرانية السوداء!..
* * *
بعيداً عن الفلسفة الشاذّة لزمرة البعث الأسديّ، لا يمكن لأي عاقلٍ عربيٍ ومسلمٍ أن يُنكِرَ إحساسه العميق بالهزيمة الحزيرانية المنكَرة، التي صنعتها لنا زمرة أحاديّة شموليّة بعد أن سيطرت على مفاصل الدولة وأنفاس شعبها، واستخدمت الدبابة وسيلةً للقفز إلى السلطة واقتحام القصر الجمهوريّ، بدل أن تكون وسيلةً لتحرير الأرض والعِرض والإنسان.. وبذلك، فقد بدأت الهزيمة تتغلغل في أحشاء سورية، منذ أن قفز العسكريون الخونة إلى كرسيّ الحكم، فارّين من مواقعهم التي يجب أن يكونوا فيها عند جبهات الدفاع عن الوطن والشعب والأمة!.. وتقدّموا بعوامل الهزيمة إلى أعماقٍ جديدةٍ من الهاوية، مع تقدّم القافزين إلى السلطة في مشروعهم الاستبداديّ، بَدءاً من تنفيذ نظرية الحزب الحاكم القائد الوحيد للدولة والمجتمع، فاختصروا الوطنَ إلى الحزب الحاكم، والدولةَ إلى شخص الضابط العسكريّ المغتِصِب للحكم، والشعبَ إلى المنتمين إلى عصابات الطائفة والحزب والزمر المقرَّبة منهما، التي تمارس الطواف حول الكرسيّ الذي يتشبّث به ربّهم الأقلّويّ النصيريّ الأسديّ!..
* * *
في المفهوم الشاذّ لنظام البعث الأسديّ.. لم تكن هناك هزيمة، فما دام الحاكم البعثيّ بقي حاكماً، وما دام وزير الدفاع النصيريّ -المسؤول الأول عن الانكسارات والهزائم- بقي في موقعه، ثم رُقِّيَ إلى رتبةٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ أعلى، وتُوِّجَ رئيساً للجمهورية، مدعوماً من قِبَل العدوّ الصهيونيّ والنظام الغربيّ والدبابة المسروقة من الجيش الوطنيّ السوريّ.. ما دام الأمر كذلك، فنحن لسنا نعيش واقع الهزيمة، بل نعيش واقعات الانتصارات المتعاقبة، حتى لو ضاع نصف الوطن، وأُهدِرَت مع ذلك الكرامة الإنسانية الوطنية!..
* * *
الخروج من العار الحزيرانيّ، وإيقاف صناعة الهزائم التي يُنتجها النظام الطائفيّ الأسديّ على مدار الساعة القمعية الاستبدادية.. لا يقوم إلا على أنقاض صُنّاع الهزيمة، وأنقاض منهجهم الأحاديّ الشاذّ، وأنقاض كل ما يصنعونه لنا من فسادٍ متعدّد الأشكال والألوان!..
الخروج من عار الهزيمة الحزيرانية المنكرَة، لا يتم إلا بإزالة أسبابها.. إذ لابد من دحر الاستبداد والفساد، وكشف حقيقة الحكّام الإرهابيين المجرمين المغتَصِبين للحكم والوطن، والمزوِّرين لإرادة الشعب.. ولابد من سَحق عوامل الهزيمة وأصحابها، الذين فُرِضوا علينا –بالقوّة- مع قوانين الطوارئ والأحكام العُرفية والمحاكم العسكرية والقوانين الاستثنائية، وارتكبوا مذابح حماة وجسر الشغور وسجن تدمر ومثيلاتها من الجرائم والمجازر التي لم يشهد التاريخ لها مثيلا، المرتَكَبَة منذ اندلاع ثورة الحرية والكرامة، وأنتجوا لنا المقابر الجماعية والتهجير الجماعيّ والمعاناة الإنسانية بكل أبعادها، من اعتقالٍ وإخفاءٍ وقتلٍ واعتداءٍ على مختلف الحُرُمات وإهلاك الزرع والضرع.. لابد من دحر الذين صنعوا لسورية وشعبها الفقرَ والبطالةَ والنهبَ والفسادَ المتعدّد الوجوه والتشريد والتهجير وسفك الدماء والتدمير و.. لابد من مَحْق أصحاب المنهج الاستئصاليّ الإقصائيّ.. لابد من الضرب على أيدي الذين حوّلوا سورية كلها إلى أرضٍ مشاعٍ يعيث فيها الصفويون والفرس واالروس والصهاينة.. فساداً وتغلغلاً واحتلالاً واستيطاناً وخلخلةً للتركيبة السكانية السورية.. ولابد من بناء دولةٍ حديثةٍ قويةٍ قائمةٍ على وحدةٍ وطنيةٍ متينة، تزول فيها أسباب الظلم والاضطهاد والتمييز الطائفيّ والسياسيّ والثقافيّ والفكريّ.. ولابد من معالجة التخلّف في الميادين كلها، والقضاء على الفساد والفاسدين والمجرمين الخونة.. وذلك، ضمن حالةٍ من الاستقلال الوطنيّ الحقيقيّ.
* * *
العصابة الطائفيّة المجرمة، لا تُجدي معها مفاوضات عبثية، ولا لجان يسمونها دستورية، ولا اجتماعات هزلية تآمرية.. إذ ما تزال تمارِس في حق سورية وشعبها، العدوانَ والجريمةَ والخيانة، مُنتِجةً لوطننا الأصيل، الهزائمَ المتتالية، ولا سبيل للخروج من تلك الهزائم المستمرّة، إلا باستئصال هذه العصابة الاستبداديّة الخائنة، المسلَّطة على الشعب السوريّ الثائر!..