مناظرة بايدن وترامب: خسارة أمريكا وفوز الاحتلال

إحسان الفقيه

من بين المعاني التي تتضمنها كلمة «الردْح»: الغلبة، فيقال ردَحَ الرجلُ غريمَه أي صرعه، لكن في الأوساط الشعبية لبعض بلادنا العربية تطلق كلمة الردح على سلاطة اللسان وعلو الصوت والكذب والتضليل.

المعنى الأخير للردح هو أنسب ما توصف به المناظرة التاريخية التي أقيمت قبل السباق الرئاسي بالولايات المتحدة الأمريكية، بين الرئيس الحالي جو بايدن، وسلفه دونالد ترامب، وأقول تاريخية لأنها المرة الأولى في تاريخ أمريكا أن تقام مناظرة بين رئيس حالي ورئيس سابق، كما أنها كانت فريدة من نوعها بالنظر إلى عُمر كل من الطرفين، فبايدن في الواحدة والثمانين، وترامب في الثامنة والسبعين، بما يثير التساؤل حول مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية، الذي يراوح بين كفي رجلين أحدهما عجوز خرِف والآخر عجوز مُتصابٍ.

مناظرة هزيلة عبارة عن وصلة ردح شعبية بين أكبر رمزين في دولة يقال عنها أقوى وأرقى دولة في العالم، أظهرت مدى الإفلاس القيمي لدولة تتبنى نموذجا بلغ من الرقي أن يكون نهاية تاريخ التطور البشري، حسب أكاذيب فوكوياما في نظرية نهاية التاريخ.

موقف بايدن وترامب من القضية الفلسطينية يؤكد ما تم التأكيد عليه: أن سياسة البيت الأبيض تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لا تتغير

 

بايدن يتهم ترامب بإقامة علاقة جنسية مع ممثلة إباحية، في الوقت الذي كانت زوجته تحمل في أحشائها جنينا، وترامب يفقأ عين تمثال الحرية ويلطخه بالعذرة، عندما ظهرت عنصريته باتهام بايدن بأنه يبدو كفلسطيني، إضافة إلى كذباته المتلاحقة التي أحصت منها شبكة «سي إن أن» ما يزيد عن ثلاثين كذبة، تلك هي القيم الأمريكية. فشل بايدن في أن يثبت جدارته بفترة رئاسة إضافية، فالرجل بدا مشوشا ضعيف اللياقة الذهنية، لا يقف على فكرته، ولا يستطيع أن يكملها، إضافة إلى همهمته بكلمات غير مفهومة أحيانا، ما أصاب الديمقراطيين بالصدمة، إذ قويت الشكوك حول إمكانية خوض الرجل السباق الرئاسي، وقد وصلت حالته الصحية والذهنية إلى هذا الحد، والبعض يطالب بسحبه من السباق، واستبداله بمرشح آخر مع ما يكتنف هذا الخيار من مخاطرة غير خافية. لكن خصمه ترامب هو أيضا فشل وأخفق في أن يسوق نفسه على أنه جدير بتبوأ مقعد القيادة في البيت الأبيض، فما زال ترامب يتعامل بنمط المصارعين، ويتصرف بهمجيته المعروفة، كانت بضاعته، رغم ضعف خصمه، هي التهكم الاستعراضي، والمراوغة والتهرب من الأسئلة، والكذب في مواطن عدة، وبدا أنه بالفعل يخوض مباراة في المصارعة، وهمه الأكبر أن يظهر قدرته على الاستمرار في المناظرة بحيوية ونشاط تظهر ضعف خصمه ذهنيا وبدنيا.

أخفق الرجلان، ولا أدل على ذلك الفشل من أن المناظرة لم تحدث تغييرا يُذكر في اتجاهات الناخبين، فقد أظهر استطلاع نشرته «سي إن أن» بعد انتهاء المناظرة، أن 81% من الناخبين الذين شاهدوا المناظرة قالوا إنها لم يكن لها أي تأثير على اختيارهم للرئيس، وقال 14% منهم أن المناظرة جعلتهم يعيدون النظر، لكنهم لم يغيروا رأيهم، بينما قال 5% منهم أنهم غيروا رأيهم بشأن من سيعطونه أصواتهم. كل الملفات والقضايا التي طُرحت شهدت تبادل الاتهامات بين الطرفين حولها، وأظهرت التباين بين مواقفهما، إلا في قضية واحدة، وهي فلسطين والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أظهر كل منهما تأييده للكيان الإسرائيلي، ولكن بأسلوب مختلف. كلاهما سابق الآخر في أنه الأكثر دعما للكيان الإسرائيلي، وكلاهما أظهر عداءه للمقاومة الفلسطينية، وكلاهما لم يكترث للشعب الذي يُباد. بايدن ذكر أن نتنياهو أيد خطته لحل الصراع، واتهم حركة حماس بأنها هي من تريد الاستمرار في الحرب، ومن ثم يجب القضاء عليها، متجاهلًا عن عمد أن حماس أوقعته في حرج عندما وافقت على المقترح، في الوقت الذي ضرب به نتنياهو عرض الحائط. صرح بايدن بأنه يضغط بقوة على حماس للقبول بخطة إنهاء الحرب في غزة، ووصف إدارته بأنها أكبر داعم لتل أبيب، مشيرا إلى أنه أنقذها وقام بتوحيد العالم ضد إيران عندما هاجمت إسرائيل. أما ترامب فلم يذهب بعيدا عما ذهب إليه خصمه، فعلى الرغم من أنه قال إن إسرائيل هي من تريد الاستمرار في الحرب، إلا أنه أضاف: وعلينا أن نتركهم يكملون المهمة، في تأييد واضح للحرب الغاشمة على غزة، بل اتهم خصمه بأنه يقدم دعما صامتا للكيان المحتل.

أكد ترامب أنه ما كان كان لحماس أن تهاجم إسرائيل لو كان هو في الرئاسة، وضرورة دعم الكيان حتى يتمكن من إنجاز مهمته.

عندما سئل ترامب مرشح الجمهوريين عن موقفه من الاعتراف بدولة فلسطين لدعم السلام في المنطقة، تهرب من إبداء إجابة حاسمة وراوغ بقوله «سأنظر في الموضوع».. لذا أقول إن الكيان الإسرائيلي هو الفائز الوحيد في هذه المناظرة التي أخفق طرفاها. موقف بايدن وترامب من القضية الفلسطينية يؤكد ما تم التأكيد عليه: أن سياسة البيت الأبيض تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لا تتغير، فعلى مسار تعاقب الجمهوريين والديمقراطيين على حكم الولايات المتحدة، ما الذي تغير في موقف أمريكا تجاه فلسطين؟ مجرد تغييرات تكتيكية وفقا للمصالح التي يقوم بها الشخص المناسب في الوقت المناسب. المعنى الإسرائيلي لأمريكا، عقيدة الاختيار الإلهي والتفوق العرقي والثقافي، الدور الخلاصي للعالم، قدرية التوسع اللانهائي، وحق التضحية بالآخر، تلك هي الثوابت التاريخية الخمسة التي لا تنفك عن أمريكا التي تبني سياساتها في الشرق الأوسط على الأمن القومي الإسرائيلي، والحفاظ على تفوق حكومة الاحتلال في المنطقة، وذلك بسبب سيطرة اللوبي الصهيوني وهيمنة الإنجيليين الذين يرتبطون برباط عقائدي مع الكيان المحتل.

عندما يكون الشأن فلسطينيا، فعليك أن تعرف أن بوش وكلينتون وأوباما وترامب وبايدن، كلهم رئيس واحد بهيئات مختلفة، كلهم يبني نجاحاته على الأشلاء الفلسطينية لصالح الكيان الإسرائيلي، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.