هل أدت جماعة الإخوان المسلمين ما عليها؟؟ وهل حانَ،كما يزعمون، حينـُها!؟
بعد ما يقرب من قرن على تأسيس جماعة الاخوان المسلمين، هل أدت الجماعة ما عليها، وحان حينها
وبغض النظر عن خصوصية الموضوع التنظيمية، فإن هذا الموضوع يطرح كثيرا على المستويين العام في الأقطار التي يوجد فيها إخوان مسلمون، والخاص بين المنتمين إلى جماعة الاخوان المسلمين أنفسهم، وفي كثير من الأحيان لا تكون سجالاتهم أقل سخونة، وأرجو أن لا أتهم أنني أكشف سرا.
إن أمر جماعة الإخوان المسلمين، بوصفها جزء من الواقع المجتمعي العام للأمة لا ينبغي أن يظل حبيس نظر أعضائها. بل يجدر بالجماعة وقياداتها وجمهورها أن تظل مرحبة بمقاربات الدارسين الموضوعيين، الذين يوصفون الواقع، ويقوّمون الأداء، على قواعد التقويم المنضبطة. جميل صوت الإمام ينادي علينا بين يدي كل صلاة: استووا..
وحول الجواب على السؤال الأول: هل أدت الجماعة ما عليها؟؟
أستطيع أن أوجز فأقول لقد حققت الجماعة، رغم كل العوائق والعقبات، الكثير من الانجازات المبهرة، على مستوى الأمة والأقطار، ولكن لم يكن الأمر سهلا، ولم يكن الانجاز كاملا، وإن كان كبيرا ومهما ولاسيما في مستوياته الثقافية والفكرية والمجتمعية.
وكل الأذى الذي صُب على جماعة الإخوان المسلمين لم يعقها، كما أعاقتها خطوات المنبتين من قادتها وأبنائها، من المستعجلين الذين لا يبقون ظهرا ولا يقطعون أرضا..
وذكرت من قادتها وأبنائها، لأن تاريخ الجماعة يحفل بنماذج من هؤلاء وهؤلاء، وهذا مقال تقويمي عام، وليس تاريخا خاصا، ولذا سأتجنب فيه ذكر الأسماء.
الناس كلٌ يعمل على نيته، وعلى شاكلته، والله يعلم المفسد من المصلح، وأرجو الله أن لا يكون في كل من عرفت من الناس في جماعة الإخوان المسلمين، من أراد الفساد للفساد. وإن كان من أسس العمل الاسلامي، الجماعي والفردي، أن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وسدادا؛ خالصا بنية القائمين عليه، وسدادا موافقا لحكم الشريعة وما فيها من ضوابط محكمة للمصالح والمفاسد. وأن أعمال الإنسان تقوّم على أساس قاعدتين فقهيتين: "إنما الأعمال بالنيات" و"إنما الأمور بخواتيمها"
كل الإساءات التي تلحق بالإنسان من الآخرين تهون، إلا إساءته لنفسه ولمن حوله ولتاريخه؛ فتلك التي تصفر منها الأنامل..
مائة عام من تاريخ الجماعة، التي تكاد تكون هي الأعرق والأبقى على الجغرافيا العربية، مع الاعتبار بتكالب الأعداء، وضعف الإمكانات، وعظم التحديات، بالسباحة عكس التيار، وهذا للتقويم وليس للادعاء...
للتمثيل فقط، فقد ذابت الأحزاب الشيوعية العربية تقريبا، بمجرد سقوط الاتحاد السوفييتي، وتحول منتسبوها إلى مجرد حداثيين رخويين على ضفاف الثقافة العالمية والدولية!!
عشنا، في جماعة الإخوان المسلمين نصف قرن، وأصدقاؤنا اليساريون يحسبوننا على كتل ودول وكيانات، وكنا على مدى عقود، نسمع ادعاءاتهم فنبتسم ولا نرد!! وبعد أن كُشف الغطاء منذ انتهاء الحرب الباردة، وتبين أننا لم نكن محسوبين على أحد ممن ظنوا وحسبوا، عادوا يزعمون أننا محسبون على دول أخرى لهم فيها مآرب، وعلينا أيضا أن نبتسم، ولكن ليس حين نحسب على دولة مثل إيران ومشروعها الصفوي بأبعاده في الهيمنة والنفوذ والطائفية المقيتة…ودائما يجب أن نؤكد أن معركتنا ليست مع إيران الشعب والدولة؛ وإنما هي مع مشروع نظام الولي الفقيه، وجهلة الملالي؛ كما هي في سورية مع زمرة الأسد ومشروعها في الاستبداد والفساد.
وأعود للشق الثاني من السؤال الذي طرحته: هل انتهى دور جماعة الاخوان المسلمين؟!وأؤكد أن حوارا حاميا يدور على أكثر من مستوى، وأهمه ما يدور بين أبناء الجماعة أنفسهم ومنتسبيها، وفيهم من يطالب بتغيير العنوان، ومنهم من يطالب بإعادة البنيان!!
بالنسبة لرأيي الشخصي، أقول إن بقاء جماعة الإخوان المسلمين حية مرتبط بقدرتها على الاحتفاظ بالحيوية، والتطور مع المتغيرات، ورفض الانكفاء على مشروعات محاضن أو مداجن مصغرة، والتصدي لقضايا العصر الكبرى، بمنهجية البنا والسباعي بشكل خاص..
في مساجد المسلمين الكبرى، كثير من المحاضن تعلم التلاوة والتجويد والتوحيد والفقه وأصوله والحديث الشريف ومصطلحاته وعلومه، والسيرة النبوية وفقهها، وترشد وتعظ؛ أكثر بكثير مما يمكن أن يفعل أي محضن خاص. ويبقى العالِمُ المعلم في المسجد هو العالِمـ المعلم على أي منبر جلس. ويبقى المحضنُ الخاص لرؤية أكثر استشرافا لدور المسلم الرسالي في القرن الحادي والعشرين هو الدور الذي تتبناه الجماعة التي تأخذ على عاتقها دور الريادة والتقدم. "إن الرائد لا يكذب أهله" وأقول إن أي داعية لا يدرك الفرق بين آفاق ومعطيات القرن العشرين، وآفاق ومعطيات القرن الحادي والعشرين، وقد مضى ربعه، لا يدرك سرَّ فقه التجديد في دعوة الإسلام، ولا يدرك سر قيام حركات الإسلام المجددة، أو يقائها وزوالها أيضا..
منذ أكثر من قرن طرح فيلسوف الإسلام محمد إقبال عنوان "تجديد التفكير الديني" وقصد الإسلامي. لو عدنا اليوم إلى الكتاب لوجب أن نراه قديما، ينتمي إلى الأفق الذي ألف فيه. الإمام البنا رحمه الله تعالى أسس حركة في الربع الأول من القرن العشرين، في واقع وأفق الربع الأول من القرن العشرين، وهذه الحركة تحتاج اليوم لتبقى؛ إلى من ينتقل بها إلى واقع الربع الأول من القرن الحادي والعشرين. ليس بالتغير الشكلي بأن نستبدل بالمنبر التواصلَ عبر الواتس أو الزوم، وإنما بإدراك كلي لطبيعة المتغيرات والتطورات والفرص والتحديات والتعامل الرشيد أو الراشد مع الظرف الذي تعيشه المجتمعات المسلمة، التي وصلت ووصلنا معها أو بها إلى الآفاق التي تحيط بنا. وأهم ما يمكن أن نتلقفه من معطيات العصر، منطق التفهم والاستيعاب والتعامل الإيجابي مع محاولات التأسيس لمجتمعات أكثر انسجاما مع روح شريعة الإسلام وقواعدها العامة. ومع الخروج من قوقعة الإدانات المسبقة، والرفض النفسي لكل ما هو جديد؛ في تكرارية لعملية استقبال القهوة والشاي وثمرة الطماطم وجهاز التلفزيون وكذا ما تعليم المرأة بالتحريم…
وأقول نعم
جماعة الإخوان المسلمين يمكن أن تستمر بحمل دورها الرسالي "الرحمة للعالمين" إن … أو إذا …؛ حسبما يقرر القائمون على أمرها؛ تجدد فتتجدد، ولم تتحدد فتُحدد.
وإذا كان صاحب الشريعة قال بالتجديد على رأس كل قرن، فهل ما قرره الشهيد البنا رحمه الله تعالى مع تغير كل الظروف، لا يقبل التجديد؟؟ مع الأخذ بالاعتبار أمرين، الأول أهداف تحققت وأصبح خوض معاركها من الوهم، وتجارب أخفقت وأصبح الأجدى الاستفادة من دروسها وعبرها!!
في قرن مضى أنجزت الجماعة الكثير، في سياق مجتمعي، كان تشاركيا إلى حد كبير.
نؤكد دائما أن ما تم انجازه على المستوى الإسلامي في مجتمعاتنا العربية، لم يكن حكرا على جماعة الإخوان المسلمين، بل يشرك في فضل انجازه كل مسلم وداعية دعا إلى الله على بصيرة.
لم تعمل ولم تنتج الجماعة في إطار حزبي مقيت، كما يتصور أو يصور البعض؛ أنجزت مع المسجد والمدرسة وسائر المؤسسات البنيوية والشخصيات العامة التي تشكل أساس مجتمعاتنا. وظلت تدحو آفاقها صعدا صعدا إلى الأمام..
في عناوين رؤيتنا الإسلامية، يحب أن تمتلك أي قيادة رائدة للعمل الإسلامي العام عنوانا من قبيل "آفاق لا تحد" وكلما ارتقينا قمة، رفعنا أبصارنا إلى غيرها، وكلما تجاوزنا أفقا ارتسم أمام أعيننا آخر…
"آفاق لا تحد" عنوان كتاب للمفكر اللبناني، "فؤاد صروف" قرأته وأنا تلميذ في الصف السابع، ١٩٦٠ عن أرفف المركز الثقافي في حلب. جيد أن نعود إليه، والأجود أن يكون لنا نسخة منه تناسب القرن الحادي والعشرين.
وسأختم بكلمة ولن أتردد فيها:
وربما أصبحت السلطة المتمثلة في "دولة" في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، عبء إعاقة، أكثر منها معبرا للانجاز والتنفيذ..
وعندما قرر البنا: الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم والحكومة المسلمة، كان يتحدث في أفق آخر. المؤسسات والآليات الموجهة للمجتمعات في فضاء القرن الحادي والعشرين أصبحت أكثر أهمية من وزارة وزير، وخفارة خفير!! هو مجرد رأي.
"الدولة" في الصيرورة التاريخية للعالم الحديث أصبحت المشرف الأقل أهمية في عالم الذي يكون أو لا يكون..
البعد الرسالي الذي يتوجه للإنسان فينقذه أو يرديه أصبح أبعد عن مقررات الوزير، وأكثر مطاوعة بيد المدير… تلك حقائق عملية جديرة بالتأمل.
القطرية في المرحلة القائمة أصبحت واقعا ظرفيا ضاغطا، التفكير الامبراطوري، غدا من الماضي، التجمعات الكبرى على غرار الاتحاد الأوربي أو الاتحادات المفتوحة يمكن أن تنجح..كل هذا يجب أن يؤخذ بالاعتبار. ويجب أن يكون له أثره في لغة التبشير والتيسير.
يمكن أن تستمر الجماعة جماعة الإخوان المسلمين، في إسلامتيها الأممية في أفق، ولا تنفي تشاركيتها ووطنيتها في أفق آخر.
سيبقى جوهر رسالتنا في جميع القرون
قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)
وسيبقى أساس رسالتنا دعوة إلى الكلمة السواء. وتعاون على البر والتقوى. وللبر والتقوى في فقه شريعتنا، آفاق لا تحد...