مجزرة المواصي… نتنياهو على خُطى بوش

إحسان الفقيه

كان الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، يتوق إلى وجود أسباب لغزو العراق، فجاءت مسرحية 11 سبتمبر/أيلول لتحقق له المراد، قام بالتعبئة والاستنفار بدعوى القضاء على الإرهاب وتدمير القدرات الكيميائية لصدام حسين، ونفذ على مرمى ومسمع العرب أبشع حروب الألفية الجديدة التي أدت إلى دمار العراق.

إذا كنت قويا بما يكفي، فحسبك أن تطلق دعاية جوفاء لا برهان عليها، ثم اقصف واقتل ودمر، فإذا تبينت أنك كنت على خطأ، فامض ولا تعبأ وكأن شيئا لم يكن

بعد هذا الدمار الذي لحق بالعراق، خرجت التقارير تؤكد عدم العثور على أسلحة كيميائية، ومضى بوش في طريقه بسلام كأن شيئا لم يكن، من دون مساءلة، من دون حساب، قائلا في زهو: «المهمة انتهت»، وجلس بعد سنوات من التقاعد يلهو بقلمه ويقول، إن غزو العراق كان خطأ، هكذا بكل ببساطة.

الدبلوماسي البرازيلي خوسيه بستاني كان أول مدير عام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، انتهت ولايته بطريقة مثيرة للجدل قبيل شن الحرب على العراق، لتعارُض سلوكه مع المصالح الأمريكية، فجّر مفاجَأة ليست مفاجِئة: «الكل كان يعلم أن العراق لا يمتلك أسلحة كيميائية». إذا كنت قويا بما يكفي، فحسبك أن تطلق دعاية جوفاء لا برهان عليها، ثم اقصف واقتل ودمر، فإذا تبينت أنك كنت على خطأ، فامض ولا تعبأ وكأن شيئا لم يكن، فلا بأس أن قام بوش بتدمير بلد عربي مسلم، فهو قوي بما يكفي لأن يصمت العرب، قوي بما يكفي لتجاوز الحساب. واليوم، يقوم نتنياهو بالدور نفسه في قطاع غزة، فشل في القضاء على المقاومة، فبحث عن أي نصر مزعوم، فلم يحققه إلا من خلال قصف العزّل، ودك المستشفيات والمساجد والمنازل، يطلق مزاعمه باستهداف قادة وعناصر حماس بين المدنيين، فيستبيح القصف العشوائي، ويقتل النساء والأطفال عبثا، ثم يتبين للعالم أنها كانت مجرد ادعاءات لا برهان عليها. قصف جيش الاحتلال مستشفى المعمداني ومستشفى الشفاء بدعوى وجود أنفاق وقيادات لحركة حماس، ثم ظهر زيف هذه الادعاءات، فمضى وكأن شيئا لم يكن، وتعامل المجتمع الدولي مع الحادثة وكأنها مجرد خطأ، ودعا صاحبه لتحري الدقة وعدم تكرار الخطأ. ومع مطلع هذا الأسبوع الدموي، قام المجرم الصهيوني باستهداف مخيم المواصي غرب خانيونس جنوبي القطاع، وهي المنطقة الآمنة التي ألجأ سكان غزة إلى النزوح إليها، لكنه وجد نفسه على أعتاب مفاوضات ارتضى بنودها الجميع عداه، أراد إفشالها بسبب تعسفه وغطرسته ورغبته في سير التفاوض على رؤيته الأحادية، فاستأنف عادته المقيتة وقام بقصف المخيم وأحرق من فيه، وقتل وأصاب المئات، بدعوى استهداف قائد كتائب عز الدين القسام، محمد الضيف. لم يكترث نتنياهو لفضيحته الجديدة بعد أن اكتشف والجميع عدم وجود قائد حماس في منطقة القصف، فمضى وكأن شيئا لم يكن إلى محطات أخرى للدمار، لأنه مثل بوش تماما، أمِن العقاب والمحاسبة، وقديما قالوا: «من أمن العقاب أساء الأدب»، فمن ذا الذي يحاسبه؟ أمريكا التي تمده بآلات الدمار، أم العرب النائمون؟

 

الشيطان يغوي لأنه شيطان، والثعبان يلدغ لأنه ثعبان، والذئب يفترس لأنه ذئب، والصهيوني المجرم يقتل ويدمر لأنه مجرم، فلا غرابة في ذلك، لماذا يتورع نتنياهو عن قتل الجميع؟ لماذا لا يقوم بقتل كل سكان القطاع عن بكرة أبيهم؟ ما الذي يعيقه وقد أمن الحساب والعقاب؟! بوش كانت قوته مستمدة من قوة بلاده، التي تقوم بدور الشرطي في عالم أحادي القطب، رفع شعار «من لم يكن معنا فهو ضدنا»، فإما أن تنحاز لأمريكا أو تعتبرك عدوا لها. لكن نتنياهو الذي يدّعي ويقصف ثم يكتشف خطأه فيمضي ولا يبالي، قد ظهر ضعفه على المستوى العسكري والاستخباراتي، وتبين أن قوة الاحتلال المزعومة مجرد وهم صنعته الدعايات الصهيونية في قلوب العرب، لكن قوته تكمن في ضعف المحيط العربي وخذلانه. لماذا لا يقصف نتنياهو المواصي ومخيم الشاطئ وغيرهما، وهناك دول ما تزال تتحدث في خضم هذا العدوان الإسرائيلي الغاشم على القطاع عن التطبيع، وضرورة وجود علاقات جيدة مع الكيان الإسرائيلي؟ لماذا لا يقصف نتنياهو ويدمر في القطاع ويدك المنازل على رؤوس أهلها ويحرق الخيام بمن فيها، وهناك من سياسيي ومثقفي وكُتّاب العرب من يترك الحديث عن جرائمه ويتجه إلى المقاومة لتحميلها المسؤولية عما يحدث في القطاع من تدمير وقتل؟ لماذا لا يبيد نتنياهو الأخضر واليابس، ولدينا صحف وقنوات عربية تروّج للرواية الصهيونية بحذافيرها، وتقدم للعدو الصهيوني هدايا بالمجان ليستمر في بطشه وعدوانه؟ لماذا يتوقف نتنياهو عن تدمير القطاع، وبيننا نحن العرب من يستثمر العدوان الغاشم للضغط الإعلامي والسياسي على المقاومة للنزول عند رغبة وشروط الاحتلال؟ لماذا لا يستمر نتنياهو في القصف حتى آخر منزل وآخر خيمة في القطاع، وهو يرى هذا التطويق العربي للمقاومة، ويوقن أن تدميرها هو الغاية للعديد من الأنظمة العربية المنبطحة؟ ولماذا يتحرى نتنياهو الدقة ويتوقف عن قصف المدنيين بدعوى وجود عناصر للمقاومة، وهو يرى أمة نائمة يخوّن بعضها بعضا، ويشاقّ بعضها بعضا، وتعجز عن اتخاذ قرار واحد يردع هذا الكيان المحتل؟

فلماذا لا يسير نتنياهو على خطى بوش في غزوه العراق، ولماذا لا يقصف أي مكان زعم أنه آمن، بحجة استهداف قيادات وعناصر من حماس، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.