بيان فيينا ( 2 )، ثلاثة مقاتل في صدر السوريين السوريين
مكافأة المجرم – وتهديد بالوسم الإرهاب – وشرعنة إبادة السوريين
بصدمة أشد إثارة لمشاعر المرارة من جريمة باريس التي واكبتها ، استقبل السوريون بالأمس ثوارا وأحرار ما قيل إنه بيان توافقات صادر عن مؤتمر فيينا (2 ) . باختصار شديد كان ما عبر عنه لافروف وتابعه كيري بعد المؤتمر تحت مسمى التوافق تواطؤاً واضحا ضد الثورة والشعب في سورية .
كان السوريون ينظرون إلى ( الثلاثي ) الجالس على منصة المؤتمر الصحفي، المعبر عن توافقات ما سمي لقاء ( فيينا 2 ) فلا يرون إلا مجسم ( وليد المعلم ) بأنيابه البارزة المنغرزة عميقا في أعناق السوريين وكرامتهم ...
لم تُقل أي كلمة في المؤتمر ، تنتصر لتطلعات الشعب السوري العادلة . لم يقل غير الكلام المكرور الذي تعود السوريون سماعه من أفواه المتحدثين الأسديين عن السيادة والوحدة الوطنية وعن الحرية والديمقراطية في ظلال الجبهة التقدمية والاستفتاءات ماركة الثلاث التسعات الشهيرة . والانتخابات الحرة النزيهة التي تُرصد مقاعها جوائز ترضية للأشخاص المتفانين في الخدمة ، المتبارين في إذلال الشعب السوري وقهره وإذلاله.
لم يكن في مقررات فيينا ما يعلق المرء عليه غير أنه (مقررات أسدية) مباشرة كتبت بحبر دولي . وقرئت على ألسنة أممية . إن ما تفوه به الثلاثي على منصة المؤتمر الصحفي هو بمثابة ( إعلان حرب إبادة على الشعب السوري بسواده العام ، وكتلته الأساسية الكبرى ). إنه تكريس مباشر لمقولة الأسد الأولى ، ومرة أخرى نكرر بحنجرة دولية هذه المرة : تخضعون أو تقتلون . هذا هو مجمل الكلام وفيما يلي بعض مفصله :
1 - مكافأة المجرم وانتهاك القيم الكونية الكبرى
إن أبشع ما يطالعنا في توافقات فيينا : مكافأة المجرم على جريمته ، والدوس على قيم ( العدل والحرية والكرامة ) . فهل يملك لافروف وكيري وكل من يشايعهم حق هدر دماء نصف مليون إنسان سوري ، والاستهتار بآلام وعذابات المعذبين ؟! أليس انتهاك قيم العدل والحرية والمساواة والكرامة الإنسانية هو المغذي الأول لكل أشكال الإرهاب ، والمسوغ الأول لمنطق كل الإرهابيين حول العالم ؟! ألم يكن ذلك ما تلبس به المتحدثون على منصة فيينا بكل صلف وهم يصدرون براءة ضمنية للمجرم بتأهيله وزمرته ليكونوا شركاء في صنع حاضر سورية والاستحواذ ، تحت وقع قصف الطائرات المعتدية ، على مشروع ومستقبلها؟!
2- وقف أبتر لإطلاق النار
ويكافئ المتواطئون في فيينا المجرم مرة ثانية حين يتحدثون عن وقف أبتر لإطلاق النار يحصنه ويحميه ويقطع الطريق في الوقت نفسه على مقاوميه المدافعين عن دمائهم وأعراضهم وكرامتهم .
إن الوقف الأبتر لإطلاق النار ، الذي تعهد به الجالسون على منبر فيينا للمجرم القاتل والمنتهك ، وقلصوه في الوقت نفسه ، عمن تبقى في سورية من إنسان ومن عمران ؛ تحت شعار استمرار الحرب على مسميات الإرهاب ، هو الإرهاب بعينه .
لقد تجاهل هؤلاء المتواطئون أنه تحت عنوان الحرب على ( مسميات الإرهاب ) هذه ، نفذت في سورية الجريمة الكبرى ، قتل نصف مليون سوري من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ، وشرد نصف سكان سورية ، وهدمت المدارس والمساجد والمستشفيات ، وأحرقت البلد التي يريد أصحاب فيينا اليوم الإتيان على ما تبقى اليوم منها .
3 - ثنائية المعايير في فرز السوريين و شرعنة لحرب إبادة عليهم ...
إن الاقتصار على فرز الشعب السوري بثواره وأحراره إلى إرهابيين ومعتدلين ، وإعفاء المجرمين الذين قتلوا بكل أنواع الأسلحة ، بما فيها غاز السارين والبراميل المتفجرة والقنابل العنقودية وبالتعذيب والتجويع في أعماق الزنانين هو ازدواج فاضح في المعايير . فإذا كان في صفوف الثوار بعض الخارجين على المعايير أو القوانين الدولية . فإن بشار الأسد وفريقه خارجون أصلا عن المعايير والقيم الآدمية . إن في الوثائق عن حقائق التعذيب داخل السجون التي قدمها من سموه (القيصر ) غنى لمن أراد معرفة الحق أو الانتصار له .
وإن أبسط ما تقتضيه العدالة أن تطبق المعايير الإنسانية والدولية على الجميع بالموضوعية نفسها . وأن يوسم كل من شارك في أعمال القتل والترويع الممنهج بأنه إرهابي وأن يحاسب على ذلك . ومن قبل توافق العقلاء على أن إرهاب ممثل السلطة والقانون هو الأولى بالإدانة ..
ثم إن ترك التهديد بالوسم بالإرهاب مفتوحا ، بإرادة المتحكمين في مائدة فيينا يحمل في طياته تهديدا مفتوحا لكل السوريين تخضعون أو توسمون .
وسيكون الأمر أشد خطورة حين سيكون الوسم بالإرهاب شرعنة لحرب إبادة يتواطأ عليها أعداء الإنسانية بطائرات عدوانهم وقذائف موتهم ضد كل السوريين السوريين ؟!
إننا وحيال هذه الحقائق الفاجعة للضمير الإنساني والمخزية لأصحابها والمتلبسين بها يبقى لنا سؤالان وحقيقة ...
السؤال الأول : أين كان أصدقاء الشعب السوري الحقيقيون على مائدة فيينا ...؟!
والسؤال الثاني : أين ستكون القوى الثورية والسياسية الحقيقية بعد هذا التواطؤ المريب ؟!
والحقيقة التي جهلها ويتجاهلها المتواطئون على الشر والوالغون فيه هي أن الذي يثور في الشعوب هو العقول والقلوب . وليس البنادق والطلقات .
(( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ )).
(( وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ))
" ودوروا مع الكرسي حيث دار"
ذلك كان مقتل بشار الأسد
وبعد ما صدر عن توافق في مؤتمر فيينا ما صدر . واتضح ما يدبره المتواطئون هناك للشعب والثورة في سورية من مكر وسوء ، يلتفت المواطن السوري إلى المتصدرين على مقاعد القرار في كافة تشكيلات الثورة والمعارضة وهيئاتها وقواها وأحزابها وجماعاتها : هذا هو الحصان الذي راهنتم عليه طويلا فماذا ، بعد أن حصحص الحق ، أنتم فاعلون ...
وما أكثر ما نصحهم قبلُ الناصحون ، وتوجه إليهم الآملون أن تكون لهم إرادتهم ، وأن يكون لهم خيارهم مع علمهم بكلفة هذه الإرادة وبصعوبة تبني أي خيار غير خيار الخوض مع الخائضين . ولكنهم جميعا استسهلوا على مدى خمس سنوات وباختلاف أعمارهم الثورية والسياسية المراهنة على حل يقدمه الوزير أو السفير ..
وها هو ما تكشف عنه رهانهم اليوم :أن من سيحالفه الحظ منهم ، وترشه شمس السعادة ببعض ضياها سيكون عضوا في جبهة وطنية تقدمية يحظى من خلالها بالإمساك بطرف الذيل أو الجلوس في بعض العتبات ، و التصفيق في محفل للسيد الرئيس . هذه هي الصيرورة – حسب فيينا – لا فوقها ولا تحتها وأعلم أن الكثير منهم إذ يقرؤون سيماحكون ..
وسيشككون بفيينا ، وبمساراته ونعم التشكيك إن اعتمد على إرادة وخيار وبئس التشكيك إن مضى في سبيل المراهنة من خسار إلى خسار ..
سيتظاهرون أنهم سيمضون ليفضحوا وليكذبوا وليحبطوا وفي حقيقة الأمر أن رائدهم إن قالوا ذلك وفعلوه هو : ( ودوروا مع الكرسي حيث دار ) ..فيا أيها الدائرون مع الكرسي بلا إرادة ولا خيار ، المتنقلون في فضاء هذه الثورة من خسار إلى خسار ...
لا تنسوا أن منهجكم هذا كان من قبل منهج بشار
(( وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ))