في الأستانة ...الاستسلام لحساب الآخرين !!
دعوة للبحث عن خيار أقل سوءً
لا أحد ينكر حجم الانعكاسات السلبية الخطيرة للتحولات في المواقف الإقليمية من روسية ، ومن إيران ، وبالتبعية من الشعب السوري ، وثورته ، وقضاياه ومصيره .
وللتلخيص والتمييز :
الموقف السياسي لا يحسب بحساب العواطف والمشاعر والنوايا . وينماز الموقف السياسي عن الموقف الإنساني وما قد يتلبس به من شفقة وإحسان . يتمثل الموقف السياسي ، في مفهومه العام ، في ملموسات رقمية يمكن رصدها وحسابها وقياسها اتجاها وأبعادا وثقلا في ساحات الصراع ، بأبعادها العملياتية دعما وإمدادا بالسلاح بالرأي والمشورة والمعلومات والدعم في المحافل . ولاسيما حين نتحدث عن ثورة شعبية عفوية ينقصها الكثير من التجربة والخبرات ، كمثل ثورتنا السورية .
وفي حساب الموقف السياسي ينفصل السياسي بكل أبعاده عن الإنساني بكل أبعاده . وإن إصرار بعض الناس على خلط السياسي بالإنساني فيه جهالة أو تضليل لا يليق بالعقلاء . و فصلنا السياسي عن الإنساني ، لا يعني أننا لا نشكر كل من أعان السوريين ولو بشق تمرة . فكيف لمن فتح بلده وسن لحسن الضيافة قوانين وشرّع تشريعات ..؟!
نحن ، ولم يعد أحد ينكر ذلك ، أمام تحول خطير في المواقف السياسية لدول الإقليمية . يبلغ خطره حدا أن الكثيرين منا لا يجرؤون على الإشارة إليه بله مناقشته ، كما يفعل العامة مع الأمراض الخبيثة خوفا وهلعا .
وإن التقديرات السلبية الصامتة لعواقب التحول المشار إليه ، الناتجة عن حالة من الهلع النفسي ، هي أسوأ أنواع التقدير . العقلاء إذا حزبهم أمر استوعبوا صدمته ، ثم عقلنوه ودرسوا تبعاته بحكمة وروية . إن الانهيار الذي نتابعه على الساحة السورية على مستوى الفصائل ، ومستوى القوى السياسية هو ناتج صدمة نفسية عنيفة آن للسوريين أن يستفيقوا منها ..
نعم آن للسوريين جميعا أن يستوعبوا صدمتهم وأن يستفيقوا من غفلتهم . وآن للقوى السياسية – أولا - أن تتقدم لتتحمل مسئوليتها التاريخية فالصمت والانكفاء لا يعفيها من المسئولية لا أمام الله ولا من أمام الناس .
وآن – ثانيا - لقادة الفصائل المندفعين بدوافع متعددة منها الثقة الزائدة بالذات ، أو بالآخرين ، أو الشعور بانغلاق الأفق ، او التنافسية البينية ( الفصائلي – الفصائلي ) أو ( الفصائلي – السياسي ) أن يدركوا أين هم ؟ وأن يعلموا أين يذهبون ..
آن للجميع أن يعودوا إلى رشدهم وإلى صوابهم ، وأن يتعرفوا على ما في أيديهم من أوراق قوتهم ، ومن مستجدات ظروف معركتهم ، وأن يعيدوا فرز القوى من حولهم على أساس المستجدات الواقعية ، بعيدا عن الأماني والترديدات الفارغة لا طائل من ورائها .
آن للسوريين جميعا أن يعيدوا تحديد موقفهم من ثورتهم ، بعيدا عن التعلق بحبال الوهم ، وسياسات الكذب على الذات ، وهم أمام خيارين لا ثالث لهما: ثورة ومضاء ووفاء ولهذا الخيار تشكلاته وأساليبه على ضوء المستجدات . أو استسلام عار كالح أجرد أجرب ؛ وكل بلاغة أهل الأرض لن تجمل هذا القبيح ، ولن تستر هذه السوأة ، ولن تعفي أصحاب هذا الخيار من الأوصاف التاريخية التي يستحقون ...
حقيقة أساسية :ما كان للروس أن يكونوا مرجعا ولا وسطاء ولا شفعاء:
لا نظن أن أحدا ممن يزينون للشعب السوري اللجوء إلى فيء بوتين ورحمته وعطائه وجوده وكرمه ورحمته وحبه للسلام ؛ كانوا سيقبلون به مرجعا ووسيطا لو أنه استخدم ضد شعبهم ستة قرارات فيتو إصرارا منه على تقتيل السوريين وحرمانهم من حقوقهم و تكريس استعبادهم بقهرهم وكسر إرادتهم ..!!
ما نظن أحدا من هؤلاء كان سيقبل ببوتين مرجعا ووسيطا لو أنه أمطر بعض مدنهم بأربعين ألف غارة جوية خلال خمسة عشر شهرا ، فلم يبق ولم يذر حتى استخدم السلاح المحرم دوليا،.وجعل من أجساد الأحياء من السوريين حقلا لتجارب تقنياته الإجرامية ..!!
ولا نظن أن أحدا من هؤلاء الذين يزينون للشعب السوري الذهاب إلى الأستانة كان سيقبل الذهاب إليها لو أن الروسي والإيراني الممسكين بقيادها قتلوا من ( بني قومه ) مئات الآلاف من البشر وعشرات الألوف من الأطفال ، والنساء ودمروا المنازل والأوابد والمساجد والمدارس والمستشفيات ..!!
نكتب كل ذلك ، ونحن نتفهم ، أن المنكسرين في الحروب يوقعون دائما على صكوك الاستسلام ..
نتذكر كيف وقع امبراطور اليابان على استسلام بلاده بعد القنبلتين النوويتين في هيروشيما وناغازاكي . ونقدر أن ما نزل بالسوريين من خذلان وما نزل على أرضهم من أدوات الدمار لا يقل من وقع القنبلتين معا ؛ ولكننا نقدر أيضا أن السوريين لا يزالون يملكون خيارات أقل سوء من الاستسلام ومن الذهاب إلى الأستانة الذي لا يعني شيئا غير هذا الاستسلام..
نتذكر كيف وقع القادة الألمان صك استسلام برلين ، كما وقع الذين أسلموا حلب ، صك استسلامها ؛ ولكننا نعتقد مع إدراكنا لحجم المتغيرات الكارثية التي أصبحت تحيط بالثورة السورية ؛ أن السوريين ما زالوا يمتلكون خيارات أقل سوء من خيار الاستسلام ، المعروض في الاستانة ، خيار الاستسلام المقيت الذي يجمجم عن توصيفه الكثيرون ، والذي يراد لحساب الآخرين ولمصالحهم ...
أيها السوريون ...
هذه ثورة تاريخ ينتظر لها أن تغير وجه العالم فيقال ما قبل ثورة السوريين وما بعد ثورة السوريين ..
وهذه ثورة كلفت أهلها دماء مليون شهيد ، وعذابات عشرة ملايين معتقل وشريد ..
أيها السوريون ..
من تعب ، فليتقاعد ، أو ليقعد ، أو لينسحب من الساحة ، فإن لهذا الشعب ربا يحميه ، وإن لهذه الثورة سواعد تدافع عنها ، في كل مرحلة بالأسلوب الذي يجدي ويليق ..
أيها السوريون ..
من كان عنده فضل قوة فليعط هذه الثورة وهذا الشعب من قوته ، ومن آل أمره إلى يأس وضعف وجبن وخور فليكف شرّه وهذا خير ما يفعل . ولينج بنفسه . وليعد حساباته الشخصية ، ولا يقل متذرعا : فمن لهؤلاء المستضعفين ؟! هؤلاء المستضعفون بحاجة إلى قوي ينصرهم ، وليس إلى سمسار يتاجر بضعفهم ، ويتباكى على مأساتهم ...
أيها السوريون ..
التخلي ، وإدارة الظهر ، والتسلل لواذا ، والصمت المريب ، والتماهي مع الفاجعة التي يحضر لها في الأستانة كل أولئك هي أسوأ خياراتكم . وما جعلكم الله في دار ضياع ...
اللهم انصر من نصر . واخذل من خذل . اللهم أيد من أعان على حق ، أو أمر به ، أو حض عليه ، أو ذكر به ؛ اللهم ومن غيّر وبدّل ومكّر واستهتر فاكفناه بما شئت وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير.
الأستانة.. نور الحقيقة وهالة الوهم
لا نحتاج إلى كثير قول لنؤكد أن الشعب السوري بشكل عام ، والثورة السورية وحاضنتها وأنصارها وثوارها بشكل خاص ، بحاجة إلى يد عون تسعفهم ، من تآلب أشرار العالم عليهم ، في حرب مكشوفة يشاركون فيها بطرائق مباشرة وغير مباشرة ..
ولا نحتاج إلى كثير قول لنؤكد اعترافنا بدور الأصدقاء المساندين من الأشقاء العرب والأتراك على مدى سنوات مضت من عمر الثورة . وكذا للتأكيد على الخصوصية ( الجيوسياسية ) التي تلعبها الشقيقة تركية الجغرافيا والديموغرافيا والقيادة . إن الاعتراف بالفضل ، والشكر على الدور ، لا يعني تجاهل المفارقات في تحديد الأولويات ؛ في ظرف متغير ندرك فيه جميعا ما يعايشه كل شقيق من خصوصيات داخلية وخارجية .
إن من حق شعبنا الذي ما يزال يخوض معركته منذ ست سنوات ، والذي قدم على طريق تحرره التضحيات بالملايين من شهداء ومصابين ومعتقلين ومشردين ، أن يحدد أولوياته ، وأن يتمسك بثوابت ثورته ، وأن يحدد في كل مرحلة الأسلوب الذي يختار والطريق الذي يريد . كما أن ذلك من حق الآخرين ليس لأحد أن يضارهم فيه .
إن الذي يجب على الجميع أن يدركوه ، والذي سنظل نردده عند كل مقام وفي كل مقال :
* إن الذهاب إلى الحرب في سورية لم يكن خيار شعبنا . وإنما كان خيار الآخرين . ولقد فُرضت هذه الحرب الآثمة منذ أول يوم على شعبنا الأعزل المسالم المطالب بالعدل والحرية ؛ ولذا فنحن لسنا بحاجة إلى التأكيد دائما أننا مع كل وقف للنار ، مع كل وقف لهذه الحرب القاطعة الظالمة التي لم نكن يوما أصحاب قرارها ولم نكن يوما من جناتها ، كما لم نكن يوما من المالكين لأدواتها..
* إن الحرب التي فرضها علينا بشار الأسد ، وحسن نصر الله ، والولي الفقيه ومن ثم نصيرهم الأول بوتين هي حرب وجودية ، حسب اعترافهم وتعبيرهم . وحقيقة الحرب الوجودية تعني أن وجودا لا يقبل الشراكة مع آخر. وأنهم بحربهم الوجودية التي أعلنوها وما يزالون علينا ينوون استئصالنا من أرضنا تقتيلا وتهجيرا ؛ إن أي تعامل مع المشهد بعيدا عن إدراك هذه الحقيقة فيه ضلال وتضليل ، لا يقبل شعبنا من أحد أن يقبل به أو أن ويتغاضى عنه .
* ثالثا ، لقد كانت روسية ، على مدى السنوات الست الماضية ، شريكا في كل ما جرى على شعبنا : على الصعد العسكرية والتعبوية والسياسية والدبلوماسية . ظلت روسية شريكة في التسليح ثم في القتل والتدمير ثم في الدعم السياسي والدبلوماسي المفتوح . الدبلوماسية الروسية اتخذت ستة قرارات فيتو في مجلس الأمن لدعم القاتل المجرم . الطيران الروسي شن عشرات الآلاف من الغارات على وطننا وأهلنا . كذب الروسي لم يقصف كما زعم الإرهابيين . 8% من غاراته فقط استهدفت من يقال لهم الإرهابيون . الطيران الروسي قصف الأطفال والنساء والأحياء السكينة ، وقصف المساجد والمدارس والمستشفيات والمخابز ؛ قتل المدنيين ، وشرد الأبرياء ، وما يزال ينظر بعين العدوان إلى ما يجري على كل الأرض السورية ؛ ثم يقال لنا هلموا إلى حل سياسي يرعاه هذا الوسيط النزيه ...بالله على هؤلاء الذين يدعون إلى الأستانة كيف يحكمون ؟!
* ثم يدعون إلى الأستانة ، لفيف من الفصائل ، شركاء متنافسون ، إن لم نقل متشاكسون ، لا تضبطهم مرجعية ، ولا يفيئون إلى رأي كبير ، تتفاوت رؤيتهم ورؤاهم وأحجامهم وأثقالهم ، ويلقى بهم طعمة ليلعب على اختلافهم وتباينهم الروسي والإيراني ، ويغيّب عن المشهد المرجعية السياسية الحقيقية التي ارتضاها أكثر السوريين ، بعد رحلة طويلة من الاختيار والموازنة ( هيئة التفاوض العليا ) في خطوة مقصودة ، للالتفاف على الثورة ، ورمي عباءة المسئولية على غير أكتاف أصحابها ..
* وفي الوقت الذي تأخذ بعنق الأستانة ومن فيها دولتان تحتلان سورية ، وتساندان القاتل المجرم بشار الأسد ، يدعم الأولى أسطول جوي ، ويدعم الثانية مائة ألف مقاتل على الأرض ، يغيّب دور دول عربية ، وسورية عضو مؤسس في الجامعة العربية . كما تنحى عن المؤتمر المرجعية الدولية التي تشكل بتشاكستها نوعا من التوازن ، المعقول !!
* هذا هو لقاء الأستانة ... اللقاء المعمى ، الذي لا نزال في جهالة من جدول أعماله الحقيقي ، ومن العاملين عليه الحقيقيين ، ومن المشاركين فيه والحاضرين فيه الحقيقيين !! الأستانة الذي يريد منه ثلثا الداعين إليه تصفية ثورة شعب لم يشهد العالم الحديث لها مثيلا ..ثم يعتبون لأن هناك من لا يؤيد ، ولأن هناك من يتردد أو من يصمت أو من يشكك ..
* إننا ومع إدراكنا لتداعيات التحولات الخطيرة في مواقف بعض الأصدقاء من جيران سورية بشكل خاص ، وما يمكن أن يجره هذا التحول الخطير ، ليس على قطرنا وثورتنا فقط ، بل على المنطقة أجمع ، وعلى حاضر الأمة ومستقبلها الوجودي بشكل عام نؤكد من موقع المسئولية الشرعية والتاريخية والوطنية :
أولا – نعلن رفضَنا لكل أشكال الاحتلال الواقع على أرضنا ، وفي مقدمته الاحتلال الروسي والاحتلال الشيعي الصفوي بكل تجسداته ومذنباته . ونعلن إصرارنا على تحرير وطننا من كل هؤلاء المحتلين . وندعو إلى مشروع وطني سورية لمقاومة الاحتلال ، وللتصدي لآثاره وتداعياته ، وإبطال آثاره .
ثانيا – نؤكد تمسكنا بحقنا الثابت في وحدة أرضنا ومجتمعنا في ظل دولة حرة مستقلة يسودها العدل والحرية والمساواة ، ويضبطها دستور يجمع أبناءها ويحمي حقوقهم جميعا .
ثالثا – نعلن استئناف طريقنا لنصرة ثورتنا وأهدافها بكل الوسائل المشروعة ، وإصرارنا على التمسك بثوابت هذه الثورة العادلة حتى يفتح الله بيننا وبين عدونا بالحق وهو خير الفاتحين .
رابعا – نؤكد وفاءنا لدماء الشهداء ، ودفاعنا عن حقوق المستضعفين ، إحقاقا للحق ، وإقرارا للعدل . ورفضنا لأي محاولة لمكافئة المجرمين مهما كان عنوانها ، ومهما كانت دوافعها .
خامسا – نحن طلاب حق ، ومدافعون عن قيم إنسانية كونية ثابتة ، لا نريد بغيا ولا علوا في الأرض ولا فسادا .. نحرص على حقنا من أقرب الطرق ، ومن أيسر السبل ...
فمن أحب أن يمد يده بالعون على الخير فأهلا به ..وإن تكن الأخرى فإن الله حسبنا وهو نعم الوكيل .