ألا تتوحّدون وعندكم الحج؟!
عجيبٌ أمرُ المسلمين. توحّدهم الشهادتان، فلا محبوب ولا مرهوب ولا مرجوّ ولا مطاع، بشكل مطلق، إلا الله. ولا قدوة لهم في شؤون دينهم ومعاشهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويتوجهون في صلاتهم إلى قبلة واحدة، ويصومون في شهر واحد. ويقرؤون في كتاب ربهم سبحانه: (إنّ هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون). {سورة الأنبياء: 92}.
ثم مع ذلك كله يتفرقون ويتخاصمون ويتقاطعون ويتنابذون...
هل تبلّدت مشاعرهم حتى غَفَلت عن أسباب الوحدة كلها؟ هل لأن العبادات المذكورة يؤديها كل منهم في بيته ومسجده وبلده فلا يحسّ بما يربطه بإخوانه فوق كل أرض وتحت كل سماء؟
وإذا كان الأمر كذلك فما بال المسلمين في البلد الواحد يتباعدون كذلك ويتدابرون؟!.
وتأتي فريضة الحج فيذهب الآلاف من كل بلد ويجتمع المليون والمليونان والثلاثة في البيت الحرام وفي عرفة الخير، ويطوفون حول الكعبة المشرفة ويحيطون بها كما تحيط الضلوع بالقلب، وينادون ربّاً واحداً: "لبيّك اللهمّ لبيّك". وينسى كل منهم جنسيته التي فرضها عليه التمزق، ويحسّون بالجنسية اللائقة بالمسلم، عقيدة التوحيد، فالأبيض والأسود، والغني والفقير، والمصري والأفغاني، والوجيه والمغمور، والتقيّ والعاصي، كلهم يوجه قلبه إلى الخالق الرازق القويّ العزيز الكريم الرحيم...
ثم ماذا بعد؟! بعد أسباب الوحدة والالتحام هذه يعودون إلى أوطانهم بنفحات روحية وتوبة وإنابة، لكنهم ينسون ما يجمعهم فيتفرّقون.
المسلمون كغيرهم من البشر، تختلف قناعاتهم وميولهم وأهواؤهم، ولكن الإيمان بالله ورسوله، وما ينبثق على هذا الإيمان من قيم ومشاعر... تجعلهم، أو ينبغي أن تجعلهم، كما قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كالجسد الواحد". [من حديث رواه البخاري ومسلم].
كلهم يحب الله ورسوله، ويحب أبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً وخالداً وخديجة وعائشة...
وكلهم يَعُدُّ برّ الوالدين وصلة الرحم وإكرام الجار والعطف على الضعيف ونصرة المظلوم... من قيمه العليا.
وكلهم يَعُدُّ الظلم والعدوان وأكل الربا وأكل مال اليتيم وشهادة الزور... من كبائر الذنوب.
ما بالهم بعد هذا كله ينسون الفضل بينهم، ويتشبثون بقالة السوء يلقيها بينهم إبليس وجنوده، فهذا رجعيّ متخلف متحجّر، وذاك إرهابي متطرف، وآخر منبطح جبان...
أما آنَ لهم أن يُفيقوا، ويتسامَوا فوق هذه التُرهات، ويجتمعوا على ما يوحّدهم، وهو كثير كثير، عميق عميق، وينسوا ما يفرّقهم، وهو جزئيّ تافه سطحي؟!.
أما آنَ لهم أن يتحاوروا فيما يختلفون فيه لعلهم يزيلون بعض أسباب الخلاف، ويتغاضون عما لم يزيلوه، فيتعاونون فيما اتفقوا عليه، ويعذر بعضهم بعضاً فيما اختلفوا فيه؟!. لقد قال الله تعالى فيمن يسعى لحل الخلاف بين الزوجين: (إنْ يريدا إصلاحاً يوفّقِ اللهُ بينهما). {سورة النساء: 35}.
نعم، وما اجتمع مسلمان، أو تنظيمان مسلمان، أو دولتان مسلمتان، وكانت إرادة الإصلاح موجودة إلا وفّق الله بينهما.
وإن مما ينفي إرادة الإصلاح أن يحرّض فريقٌ على الفريق الآخر، أو يقول فريق: نعم يجب أن نتوحد بشرط أن أكون أنا القائد!.
(إنّما المؤمنون إخوة). وإنّ من أخلاق الأخوّة التسامح والتصافح والتعاون والتراحم والتحابب.
اللهم يا مَنْ جمعتَ ملايين المسلمين في مناسك الحج، اجمع قلوب المسلمين على ما يرضيك.